شَدّادُ بنُ أوْس (ع)
ابن ثابت بن المنذر بن حرام . أبو يعلى ، وأبو عبد الرحمن ، الأنصاري ، النجاري ، الخزرجي . أحد بني مغالة -وهم بنو عمرو بن مالك بن النجار .
وشداد ، هو ابن أخي حسان بن ثابت ، شاعر رسول الله -صلى الله عليه وسلم .
من فُضلاء الصحابة، وعلمائهم . نزل بيت المقدس .
حدث عنه ابنه يعلى ; وأبو إدريس الخولاني ، وأبو أسماء الرحبي ، وأبو الأشعث الصنعاني ، وعبد الرحمن بن غنم ، وجبير بن نفير ، وكثير بن مرة ، وبشير بن كعب ، وآخرون .
قال عبد الحميد بن بهرام ، عن شهر ، سمع عبد الرحمن بن غنم يقول : لما دخلنا مسجد الجابية أنا وأبو الدرداء ، لقينا عبادة بن الصامت ، فأخذ بشماله يميني ، وبيمينه شمال أبي الدرداء ، فقال : إن طال بكما عمر أحدكما أو كلاكما ، فيوشك أن تريا الرجل من ثبج المسلمين قد قرأ القرآن ، أعاده وأبداه ، وأحل حلاله ، وحرم حرامه ، ونزل عند منازله ، أو قرأ به على لسان أحد لا يحور فيكم إلا كما يحور رأس الحمار الميت .
فبينا نحن كذلك ، إذ طلع علينا شداد بن أوس ، وعوف بن مالك ، فجلسا إلينا ، فقال شداد : إن أخوف ما أخاف عليكم أيها الناس ، لما سمعت من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول في الشهوة الخفية والشرك . فقال عبادة ، وأبو الدرداء : اللهم غفرا ، أو لم يكن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قد حدثنا أن الشيطان قد يئِسَ أن يُعبد في جزيرة العرب . فأما الشهوة الخفية ، فقد عرفناها ، فهي شهوات الدنيا ، من نسائها وشهواتها ; فما هذا الشرك الذي تخوفنا به يا شداد؟
قال : أرأيتكم لو رأيتم أحدا يصلي لرجل ، أو يصوم له ، أو يتصدق له ، أترون أنه قد أشرك ؟ قالوا : نعم . قال : فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : من صلَّى يُرَائِي ، فقد أشرك ، ومن صام يرائي ، فقد أشرك ، ومن تصدق يرائي ، فقد أشرك .
فقال عوف : أولا يعمد الله إلى ما ابتغي فيه وجهه من ذلك العمل كله ، فيَقبل منه ما خلص له ، ويدع ما أشرك به فيه ؟ قال شداد : فإني سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول عن الله ، قال : أنا خير قسيم ، فمن أشرك بي شيئا ، فإن جسده وعمله ، قليلَه وكثيره ، لشَرِيكِه الذي أشرك به . أنا عنه غنِيّ .
شداد ، كناه مسلم ، وأحمد ، والنسائي : أبا يعلى .
ابن جوصاء حدثني محمد بن عبد الوهاب بن محمد بن عمرو ابن محمد بن شداد بن أوس الأنصاري : حدثنا أبي ، حدثنا أبي ، عن أبيه ، عن جده ، قال : كنية شداد بن أوس : أبو يعلى
وكان له خمسة أولاد ، منهم بنته خزرج ، تزوجت في الأزد . وكان أكبرهم يعلى ، ثم محمد ، ثم عبد الوهاب ، والمنذر.
فمات شداد ، وخلف عبد الوهاب ، والمنذر ، صغيرين ، وأعقبوا ، سوى يعلى .
ونسأ لابنته نسل إلى سنة ثلاثين ومائة .
وكانت الرجفة التي كانت بالشام في هذه السنة . وكان أشدها ببيت المقدس ، ففني كثير ممن كان فيها من الأنصار وغيرهم ، ووقع منزل شداد عليهم ، وسلم محمد ، وقد ذهبت رجله تحت الردم .
وكانت النعل زوجا ، خلفها شداد عند ولده ، فصارت إلى محمد بن شداد ; فلما أن رأت أخته خزرج ما نزل به وبأهله ، جاءت ، فأخذت فرد النعلين وقالت : يا أخي ، ليس لك نسل ، وقد رزقت ولدا ، وهذه مكرمة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أحب أن تشرك فيها ولدي ، فأخذتها منه .
وكان ذلك في أول أوان الرجفة ، فمكثت النعل عندها حتى أدرك أولادها فلما جاء المهدي إلى بيت المقدس ، أتوه بها ، وعرفوه نسبها من شداد ، فعرف ذلك ، وقبله ، وأجاز كل واحد منهما بألف دينار ، وأمر لكل واحد منهما بضيعة ، وبعث إلى محمد بن شداد ، فأتي به يحمل لزمانته فسأله عن خبر النعل ، فصدق مقالة الرجلين ، فقال له المهدي : ائتني بالأخرى . فبكى ، وناشده ، الله ، فرق له ، وخلاها عنده .
معان بن رفاعة ، عن أبي يزيد الغوثي ، عمن حدثه ، عن أبي الدرداء ، قال : إن لكل أمة فقيها ، وإن فقيه هذه الأمة شداد بن أوس .
لم يصح .
وقال سفيان بن عيينة ، قال أبو الدرداء : إن شداد بن أوس أوتي علما وحلما .
وقال سعيد بن عبد العزيز : فضل شداد بن أوس الأنصار بخصلتين : ببيان إذا نطق ، وبكظم إذا غضب .
عن شداد أبي عمار ، عن شداد بن أوس ، وكان بدريا . فذكر حديثا .
وقال البخاري : شداد له صحبة . قال : وقال بعضهم : شهد بدرا . ولم يصح .
وقال ابن سعد : نزل فلسطين . وله عقب ، مات سنة ثمان وخمسين وهو ابن خمس وسبعين سنة . وكانت له عبادة واجتهاد .
وقال أحمد بن البرقي : كان أبوه أوس بن ثابت بدريا ، واستشهد يوم أحد .
ابن سعد : أخبرني من سمع ثور بن يزيد ، عن خالد بن معدان ، قال : لم يبق بالشام أحد كان أوثق ولا أفقه ولا أرضى من عبادة بن الصامت ، وشداد بن أوس .
قال المفضل الغلابي : زهاد الأنصار ثلاثة : أبو الدرداء ، وعمير بن سعد ، وشداد بن أوس .
علي بن المديني : حدثنا عبد الأعلى بن عبد الأعلى ، عن رجل ، عن مطرف بن الشخير ، عن رجل -أحسبه من بني مجاشع- قال : انطلقنا نؤم البيت ، فإذا نحن بأخبية بينها فسطاط ; فقلت لصاحبي : عليك بصاحب الفسطاط ، فإنه سيد القوم . فلما انتهينا إلى باب الفسطاط ، سلمنا . فرد السلام . ثم خرج إلينا شيخ . فلما رأيناه ، هبناه مهابة لم نهبها والدا قط ولا سلطانا . فقال : ما أنتما ؟ قلنا : فتية نؤم البيت . قال : وأنا قد حدثتني نفسي بذلك ، وسأصحبكم ، ثم نادى . فخرج إليه من تلك الأخبية شباب ! فجمعهم ، ثم خطبهم ، وقال : إني ذكرت بيت ربي ، ولا أراني إلا زائره .
فجعلوا ينتحبون عليه بكاء . فالتفت إلى شاب منهم . فقلت : من هذا الشيخ ؟ قال : شداد بن أوس ، كان أميرا ، فلما أن قتل عثمان ، اعتزلهم .
قال : ثم دعا لنا بسويق ، فجعل يبس لنا ، ويطعمنا ويسقينا .
ثم خرجنا معه ; فلما علونا في الأرض ، قال لغلام له : اصنع لنا طعاما يقطع عنا الجوع -يصغره- كلمة قالها ; فضحكنا . فقال : ما أراني إلا مفارقكما . قلنا : رحمك الله ، إنك كنت لا تكاد تتكلم بكلمة ، فلما تكلمت ، لم نتمالك أن ضحكنا . فقال : أزودكما حديثا كان رسول الله يعلمنا في السفر والحضر . فأملى علينا ، وكتبناه : اللهم ، إني أسألك الثبات في الأمر ، وأسألك عزيمة الرشد ، وأسألك شكر نعمتك ، وحسن عبادتك ، وأسألك يقينا صادقا ، وقلبا سليما ، وأسألك من خير ما تعلم ، وأعوذ بك من شر ما تعلم ، وأستغفرك لما تعلم ، إنك أنت علام الغيوب .
وروي الدعاء بإسناد آخر .
قتيبة : حدثنا فرج بن فضالة ، عن أسد بن وداعة ، عن شداد بن أوس : أنه كان إذا دخل الفراش ، يتقلب على فراشه ، لا يأتيه النوم فيقول : اللهم ، إن النار أذهبت مني النوم . فيقوم ، فيصلي حتى يصبح .
رواه جماعة ، عن فرج ، عن أسد .
قال سلام بن مسكين : حدثنا قتادة : أن شداد بن أوس خطب ، فقال : أيها الناس ، إن الدنيا أجل حاضر ، يأكل منها البر والفاجر ، وإن الآخرة أجل مستأخر ، يحكم فيها ملك قادر . ألا وإن الخير كله بحذافيره في الجنة ; وإن الشر كله بحذافيره في النار .
اتفقوا على موته كما قلنا في سنة ثمان وخمسين إلا ما يروى عن بعض أهل بيته : أنه في سنة أربع وستين .
خرجوا له في الكتب الستة .
وعدد أحاديثه في "مسند بقي" خمسون حديثا . أعني بالمكرر.