محبة النبي صلى الله عليه وسلم I_back10
محبة النبي صلى الله عليه وسلم I_back10
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.



 
الرئيسيةالبوابةأحدث الصورالتسجيلدخول
منتديات كنج مان المتميزة يرجى التسجيل ليكون لك الحرية فى التصفح الحر بدون قيود

 

 محبة النبي صلى الله عليه وسلم

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
روفيدة
مشرف
مشرف
روفيدة


انثى العقرب عدد الرسائل : 230
العمر : 33
جنسيتك : السعودية
أعلام الدول : محبة النبي صلى الله عليه وسلم 1egypt10
أحترام القونين : محبة النبي صلى الله عليه وسلم 111010
تاريخ التسجيل : 28/06/2010

محبة النبي صلى الله عليه وسلم Empty
مُساهمةموضوع: محبة النبي صلى الله عليه وسلم   محبة النبي صلى الله عليه وسلم Emptyالسبت سبتمبر 04, 2010 12:07 pm

محبة النبي صلى الله عليه وسلم
الدكتور علي بن عمر بادحدح
المحتويات :
• مقدمة .
• مفهوم المحبة .
• حكم المحب .
• دواعي هذه المحبة .
• مظاهر المحبة وعلاماتها .
• الأسباب الجالبة لمحبة النبي صلى الله عليه وسلم .
• مواقف المحبين .
• ثمار المحبة .
• محبة النبي صلى الله عليه وسلم بين الغلو والجفاء .

مقدمة
الحديث عن المصطفى - صلى الله عليه وسلم - منزلة رفيعة ، والحديث عن محبته - عليه الصلاة والسلام - متعة عظيمة ! أما الألسنة فتترطب بذكره ، والصلاة عليه صلى الله عليه وسلم ، وأما الآذن فتتشنف بسماع سيرته وهديه وحديثه عليه الصلاة والسلام ، وأما العقول فتخضع لما ثبت من الحكم والسنة التي جاء بها عليه الصلاة والسلام ، وأما الجوارح والأعضاء فتنتفع وتتمتع بموافقة هديه وفعله وحاله صلى الله عليه وسلم ..


حياتنا مرتبطة بهدية وسيرته وسنته عليه الصلاة والسلام ، وما عسى أن يكون الحديث عن محبته صلى الله عليه وسلم ! وهل يمكن أن يوفى مثل هذا الموضوع حقه في سويعاتٍ من الزمان أو في بضع محاضراتٍ وإن كثرت ؛ فإن حقّه وقدره ومقامه والواجب له عليه الصلاة والسلام أعظم من ذلك كله .

ولكن حسبنا - أيها الاخوة الأحبة - أن يكون لنا في مثل الأوقات ما يحيي قلوبنا ، وينشط عزائمنا ، ويقوي هممنا ، ويبعث نشاطنا ، ويحرك مشاعرنا ، ويؤجج عواطفنا ؛ لترتبط ارتباطً أوثق ، ونتبع اتباعاً أكمل رسول الهدى صلى الله عليه وسلم ؛ لننال خير الدنيا والآخرة ، وفلاح الدنيا ونجاة الآخرة بإذن الله عز وجل .
وكما قلت عندما نظرت في هذا الموضوع رأيته كمحيطٍ متلاطم الأمواج قعره عميق ، ودرره كثيرة وعظيمة ، فعسى أن نقتبس شيئاً من ذلك وننتفع به بعون الله سبحانه وتعالى .

وقفات نبدأها بمفهوم ومعنى محبة المصطفى - عليه الصلاة والسلام - ونعرج من بعد على حكم هذه المحبة ، ثم نقف مع دواعيها التي تحث عليها وتقرب إليها ، ثم نتوقف عند الأسباب التي تجلب تلك المحبة ؛ لنخلص منها إلى الصور والمظاهر التي تبديها لنا وتكشف لنا في واقع مشاعرنا وكلماتنا وأفعالنا ، ثم وقفة قبل الختام في ثمار هذه المحبة وخيراتها وآثارها ؛ للننتهي إلى المحبة بين الغلو والجفاء .
ولعلنا نستطيع أن نلمّ بذلك - وإن كان في الأمر عسر - فهو رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كما قال القائل :
أبر بني الدنيا وأعظم من شكر **** وأكرم مخلوقٍ على سائر البشر
به الله قد أهدى إلى الناس رحمةً **** ومنه ضياء الحق في الكون قد ظهر
تبارك ربي إذ أعد محمداً **** وزكّاه بالتقوى وبالعلم والخبر
فباتوا اعتقاد الحق من أخلاقه **** وخير عباد الله أقدر من صبر
جهيراً بأمر الله يدعوا مبشراً **** وينصح من لاقاه بلأي والنذر
حلي بإصلاح الفساد ومرشداً **** إلى سبل الخيرات في البدو والحضر
دعا الناس للتوحيد والحب والوفا **** وجاد بالحسنى وأقنع بالأثر
ذر الهمة القعساء بعض صفاته **** وأقدم مقدامٍ وأحلم من قدر
رعاه إله الكون خير رعايةٍ **** فأنبت نبتاً طيب الأصل والثمر

مفهوم المحبة :
المحبة في مفهوم العرب يعرفونها بضدها ؛ لوضوحها وجلائها ؛ فإن ذهبت إلى جلّ المعاجم وجدتهم يقولون : " المحبة ضد الكره والبغض ، وأحبه أي : أوده " .
وشخّص بعضهم هذا المعنى تشخيصاً أوسع ، فقال : أحببت فلاناً في الأصل ، بمعنى أصبت حبة قلبه أي : نحو شغاف قلبه وكبد قلبه وفؤاده " .


والمقصود أن المشاعر تتسلل في هذه الموافقة والمجانسة والميل إلى أعماق الفؤاد ، وسويداء القلب فتصيب حبته - أي جوهره وأصله - ومكمنه ، فتكون حينئذٍ ليست عرضاً ظاهراً ولا صوراً جوفاء ، بل حقيقة تنبض بها خفقات القلب ، وتظهر في مشاعر النفس ، بل تبدو في بريق العين ، وفي قسمات الوجه ، وفي ابتسامة الثغر ، وفي حسن الثناء لرسول الله صلى الله عليه وسلم .
فهذه المحبة كما قال ابن القيم بعض – رحمه الله - في مقالة جميلة ، ووافقه ابن حجر قال : " المحبة لا تحد - أي لا يذكر لها تعريف - إذ هي أمر ينبعث بنفس يصعب التعبير عنه " .
ولعمري هو كلام دقيق ، فهل تستطيع أن تقول إني أحب فلاناً عشرة كيلو ، وهذا عشرين كيلو .. كلا ! لا تستطيع ، وهل تستطيع أن تكتشف للحب سبباً ؟ بعض الناس تلقاه فترة ، فكأن فؤادك قد مالَ إليه ، وقلبك قد هفا له ، وبعض الناس قد تعاشره دهراً وما يزال في قلبك انقباض عنه ، وفي نفسك وحشةً منه ! والقلوب بين إصبعين من أصابع الرحمن يقلبها كيف يشاء .


فالمحبة سرٌ عظيم ، هو من أعظم ما تتجلى به عظمة خلق الله في هذا الإنسان ..
ما بين غمضة عين وانتباهتها **** يبدل الله من حالٍ إلى حال
فكم من محبوبٍ لكلمةٍ أو لموقفٍ ربما تغير القلب عليه ، ونفرت النفس منه ، ولذلك هذه العواطف والمشاعر لا تضبط بهذه الكلمات والتعريفات وإن كان قد ذكر العلماء للمحبة تعريفات اصطلاحيةً كثيرة .
من ذلك ما قاله القاضي عياض – رحمه الله - في شفائه عندما قال : " المحبة الميل إلى ما يوافق المحبوب " ، عندما توافقه وتجالسه وتميل إليه وتتبعه ، فذلك دليل محبة ، لكن لو وقفنا لوجدنا أن هذا التعريف ليس تعريف للمحبة ، بل هو وصفٌ لأثرها ؛ فالمحبة انبعثت في القلب فمال الإنسان إلى من يحبه ووافقه ، وهذا أمره واضح وبيّن .

ثم المحبة - أحبتي الكرام - لها جوانب منها محبة الاستلذاذ بالإدراك ، كحب الصور الجميلة والمناظر والأطعمة والأشربة .. تلك محبة فطرية ، أو تكون محبة بإدراك العقل ، وتلك المحبة المعنوية التي تكون لمحبة الخصال الشريفة ، والأخلاق الفاضلة ، والمواقف الحسنة .


وهناك محبة تكون كذلك لمن أحسن إليك ، ولمن قدم لك معروفاً ، فتنبعث المحبة حينئذٍ ؛ لتكون ضرباً من ضروب الحمد والشكر ، فينبعث الثناء بعد ذلك ترجمة لها وتوضيحاً لمعانيها .
قال الإمام النووي - رحمه الله - في كلمةٍ ضافيةٍ جميلة ، قال : وهذه المعاني كلها موجودة في النبي - صلى الله عليه وسلم - لما جمع من جمال الظاهر والباطن ، وكمال الجلال ، وأنواع الفضائل وإحسانه إلى جميع المسلمين بهدايته إياه إلى الصراط المستقيم ، ودوام النعم والإبعاد من الجحيم .
فإن نظرت إلى وصف هيئته - صلى الله عليه وسلم - فجمال ما بعده جمال ، وإن نظرت إلى أخلاقه وخلاله ، فكمال ما بعده كمال ، وإن نظرت إلى إحسانه وفضله على الناس جميع وعلى المسلمين خصوصاً فوفاء ما بعده وفاء .


فمن هنا تعظم محبته - صلى الله عليه وسلم - ويستولي في المحبة على كل صورها وأعظم مراتبها ، وأعلى درجاتها ، فهو - صلى الله عليه وسلم - الحري بأن تنبعث محبة القلوب ، والنفوس له في كل لحظةٍ وثانيةٍ وحركةٍ وسكنةٍ وقولٍ وصمتٍ ، وفي كل تقلبات حياتنا ، ولذلك ينبغي أن ندرك عظمة هذه المحبة ، ويقول ابن تيميه: " وليس للخلق محبةً أعظم ولا أتم من محبة المؤمنين لربهم ، وليس في الوجود ما يستحق أن يحب لذاته من كل وجهٍ إلا الله تعالى ، وكل ما أحب سواه فمحبته تبعٌ لحبه ؛ فإن الرسول - صلى الله عليه وسلم - إنما يحب لأجل الله ويطاع لأجل الله ويتبع لأجل الله ".

وذلك ما سنفيض القول فيه في بعض تلك الأحوال ، وحسبي أن أعرّج على هذه المعاني، وهنا وقفة نتمم بها هذا ، فنحن نتعلق ونرتبط برسول الله صلى الله عليه وسلم من جوانب شتى ، في جانب العقل معرفةً وعلماً، نقرأ ونحفظ سيرته وحديثه وهديه وسنته ، والواجب منها والمندوب منها ونحو ذلك ، ومحبةً بالقلب ، وهي عاطفة مشبوبة ، ومشاعر جياشة ، ومحبة متدفقة ، وميلٌ عاصف تتعلق به النفس والقلب برسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ لما فيه من المعاني الحسية والمعنوية .
ثم محبة بالجوارح تترجم فيها المحبة إلى الاتباع لسنته وعمله وفعله عليه الصلاة والسلام ، فلا يمكن أن نقول إن المحبة إتباعٌ فحسب ! فأين مشاعر القلب ؟ ولا يصلح أن نقول إنها الحب والعاطفة الجياشة فأين صدق الإتباع ؟ ولا ينفع هذا وهذا ! فأين المعرفة والعلم التي يؤسس بها من فقه سيرته وهديه وأحواله عليه الصلاة والسلام .
لذا فنحن نرتبط في هذه المحبة بالقلب والنفس ، وبالعقل والفكر ، وبسائر الجوارح والأحوال والأعمال فتكمل حينئذٍ المحبة ؛ لتكون هي المحبة الصادقة الخالصة الحقيقية العملية الباطنية ، فتكتمل من كل جوانبها ؛ لنؤدي بعض حق رسول الله صلى الله عليه وسلم علينا .


حكم المحبة
وأنتقل إلى النقطة الثانية : حكم المحبة
ما عسى أن يكون حكم محبة رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا الوجوب ! فهي واجبة على كل مسلمٍ قطعاً ويقيناً ، والأدلة على ثبوت وجوبها كثيرة ، ومن ذلك قول الله - سبحانه وتعالى - الذي جمع فيه في آيةٍ واحدة كل محبوبات الدنيا ، وكل متعلقات القلوب ، وكل مطامع النفوس ووضعها في كفةٍ ، وحب الله وحب رسوله في كفةٍ ، قال تعالى : { قُلْ إِن كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَآؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُم مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُواْ حَتَّى يَأْتِيَ اللّهُ بِأَمْرِهِ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ } .


قال القاضي عياض رحمه الله : فكفى بهذا حض وتنبيه ودلالة وحجة على إلزام محبته ، ووجوب فرضها وعظم خطرها ، واستحقاقه لها صلى الله عليه وسلم ، إذ فرع الله من كان ماله وأهله وولده أحب إليه من الله ورسوله وتوعدهم بقوله : { فتربصوا حتى يأتي الله بأمره } ، ثم فسقهم بتمام الآية فقال : { فتربصوا حتى يأتي الله بأمره والله لا يهدي القوم الفاسقين } ، وأعلمهم أنه ممن ضل ولم يهده الله عز وجل " .
فهذه آيةً عظيمة تبين أهمية ووجوب هذه المحبة .


ويأتينا كذلك دليلاً آخر وهو عظيم وموجز وبليغ في قول الحق جل وعلا : { النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم وأزواجه أمهاتهم } ، ويبين ابن القيم - رحمه الله - الدلالة على وجوب المحبة في هذه الآية من وجوهٍ كثيرة ضمنها أمرين اثنين .
الأول : أن يكون أحب إلى العبد من نفسه ؛ لأن الأولوية أصلها الحب ونفس العبد أحب إليه من غيره ، ومع هذا يجب أن يكون الرسول صلى الله عليه وسلم أولى به منها - أي أولى به من نفسه وأحب إليه من نفسه - فبذلك يحصل له اسم الإيمان ، ويلزم من هذه الأولوية والمحبة كمال الانقياد والطاعة والرضى والتسليم ، وسائر لوازم المحبة من الرضى بحكمه ، والتسليم لأمره وإيثاره على ما سواه .


وأما الجانب الثاني : أن لا يكون للعبد حكم على نفسه أصلاً ، بل الحكم على نفسه لرسول صلى الله عليه وسلم ، يحكم عليه أعظم من حكم السيد على عبده ، أو الوالد على ولده فليس له في نفسه تصرف إلا ما تصرف فيه الرسول صلى الله عليه وسلم الذي هو أولى به من نفسه ، أي بما جاء به عن الله عز وجل ، وبلغهم من آياته وأقامه ونشره من سنته صلى الله عليه وسلم .

والآيات في هذا كثيرة - أحبتي الكرام - والإيجاز هو مقصدنا في هذا ؛ وإلا فإن قوله سبحانه وتعالى : { قال إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله } هو كذلك من هذه الأدلة العظيمة الشاهدة على وجوه محبة النبي صلى الله عليه وسلم ؛ إذ لا نزاع في أن محبة الله واجبة ، وأن أتباع النبي ومحبته طريق إلى محبة الله كما سيأتي ( من أحبني فقد أحب الله ) كما ذكر الرسول صلى الله عليه وسلم .

وكما قلنا الآيات تكثر من أن تحصر في هذا المقام ، وأما أحاديثه صلى الله عليه وسلم فصريحة جلية واضحة في الدلالة على وجوب هذه المحبة ، ومن ذلك الحديث المشهور المأثور الصحيح من حديث أنسٍ - رضي الله عنه - أخرجه البخاري قال فيه النبي صلى الله عليه وسلم : ( لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من ماله وأهله ووالده وولده والناس أجمعين ) .


وكلنا يعرف الحديث الصحيح المشهور في قصة الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه لما قال عمر : يا رسول الله لأنت أحب إلي من كل شيءٍ إلا من نفسي ! فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ( لا والذي نفسي بيده حتى أكون أحب إليك من نفسك ) فقال عمر : فإنه الآن - والله - لأنت أحب إلي من نفسي ، فقال عليه الصلاة والسلام : ( الآن يا عمر ) . ولم يكن قول عمر الأول أنه ليس محباً لرسول الله صلى الله عليه وسلم أكثر من نفسه ، إنما أخبر عن مقتضى الأصل الطبعي في الإنسان أن أحب شيءٍ إليه نفسه ، فلما أخبرهم النبي صلى الله عليه وسلم بالمصطلح الإيماني أقرّ عمر بأنه بالمعنى الإيماني يفضل النبي ويحب النبي صلى الله عليه وسلم أكثر من نفسه ، فقال له حينئذٍ رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( الآن يا عمر ) ومما يستدل به كذلك من هذه الأحاديث قول النبي صلى الله عليه وسلم في حديث أنس رضي الله عنه : ( لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعاً لما جئت به ) .

ثم إن حبّ الإنسان نفسه طبع ، وحب غيره اختيار - كما ذكر ذلك الإمام الخطابي - ولذلك عمر جوابه الأول ذكر الطبع ، ثم بعد ذلك ذكر الاختيار الذي هو مقتضى الإيمان .
ومن هنا ذكر العلماء أن محبة النبي صلى الله عليه وسلم على ضربين : أحدهما فرض ، وهو المحبة التي تقتضي الإيمان بنبوته وبعثته وتلقي ما جاء به بالمحبة والقبول والرضى والتسليم .
ودرجةً ثانية هي : محبة مندوبة ، وهي تقصي أحواله ومتابعة سنته ، والحرص على التزام أقواله وأفعاله قدر المستطاع والجهد والطاقة .


ومن الأدلة كذلك ما ثبت في حديث النبي صلى الله عليه وسلم - وهو المشهور المحفوظ - : ( ثلاث من كن فيه وجد بهن حلاوة الإيمان : أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما ، وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله ، وأن يكره أن يعود إلى الكفر كما يكره أن يقذف في النار ) ، وهذه أحاديث كثيرة أخرى ، منها حديث أنس عن الرجل الذي جاء فسأل النبي صلى الله عليه وسلم : يا رسول الله متى الساعة ؟ فأعرض عنه النبي عليه الصلاة والسلام ثم عاد إليه فقال : ما أعددت لها ؟ قال : حب الله ورسوله ، فقال : ( فإنك مع من أحببت ) .
وفي الرواية الأخرى قال أنس : " ما فرحنا بعد الإسلام فرحاً أشد من قول النبي صلى الله عليه وسلم : ( إنك مع من أحببت ) ، فأنا أحب الله ورسوله وأبا بكرٍ وعمر فأرجو أن أكون معهم وإن لم أعمل بأعمالهم " .


ومن ذلك أيضاً حديث أبي هريرة رضي الله عنه - وهو حديث جميل رائع - أخرجه مسلم في صحيحه ، وليس من المشتهر المتداول بين الناس قال فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( من أشد أمتي لي حباً ناس يكونون بعدي يود أحدهم لو رأني بأهله وماله ) .
وحديث ابن عباسٍ أيضاً ، قال فيه النبي صلى الله عليه وسلم : ( أحب الله لما يغدوكم به من نعمه وأحبوني بحب الله وأحبوا أهل بيتي بحبي ) . رواه الترمذي في سننه وحسنه ، وأخرجه الحاكم وصححه ووافقه الذهبي وقال : " أي أحب الله لما يغدوكم به من النعم لنعمه الكثيرة عليكم ، وأحبوني بحب الله عز وجل وأحبوا أهل بيتي لحبي " ، فكلنا محب لرسول الله صلى الله عليه وسلم محبة وجوبٍ ، ومحبة اختيارٍ وتعظيمٍ له عليه الصلاة والسلام ، وأمر هذا الوجوب لا يحتاج للأدلة ، ولكننا نريد أن نعظم هذه المحبة في قلوبنا ونحن نرى الآيات التي تتلى إلى قيام الساعة توجب إلى هذه المحبة وتبرزها عظيمةً عاليةً في مقامها ، مقترنةً بمحبة الله عز وجل ، راجحةً بكل ما تتعلق به القلوب من أنواع المحبة والمحاب الدنيوية في شتى صورها وأنواعها .


فلعلنا حينئذٍ ندرك هذا ، وندرك أيضاً عظمة هذا الوجوب عندما ندرك هذه النصوص القاطعة الواضحة في أن محبته ينبغي أن تكون أعظم من محبة النفس التي بين جنبيك ، وأنفاسك التي تتردد ، وقلبك الذي يخفق ، فضلاً عن محبة الزوج والأبناء أو الأمهات والآباء ، فما أعظم هذه المحبة التي هي أعظم محبةٍ لمخلوقٍ من بني آدم في الدنيا ، وفي الخليقة كلها ، وهي التي استحقها سيد الخلق صلى الله عليه وسلم ووجبت على كل مؤمنٍ مسلمٍ با لله سبحانه وتعالى

دواعي هذه المحبة
ومعنى ذلك أننا نقول : لماذا نحب رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ طبعاً لا نقول هذا السؤال كأننا لا نريد هذه المحبة ! ونسأل لماذا على سبيل عدم الرغبة كلا ! وإنما نريد مرةً أخرى أن نهيج القلوب والمشاعر لهذه المحبة ، وأن نؤكدها ، وأن نحرص على غرسها في سويداء القلوب والنفوس حتى تتحرك بها المشاعر ، وتنصبغ بها الحياة وتكون هي السمت والصبغة التي يكون عليها المسلم في سائر أحواله بإذن الله عز وجل .


أولاً : حب رسول الله صلى الله عليه وسلم تابع لحب الله
ونحن نحب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لأنه حبيب الله عز وجل فمن أحب الله أحب كل من أحبه الله وأحب كل ما أحبه الله وأعظم محبوب من الخلق لله - عز وجل - هو رسوله صلى الله عليه وسلم ، وقد قال عليه الصلاة والسلام : ( ولكن صاحبكم خليل الرحمن ) .


يعني نفسه - صلى الله عليه وسلم - والخلة هي أعلى درجات المحبة لماذا قالوا ؟ لأنها تتخلل في القلب وفي كل شيءٍ في هذا الإنسان فيصبح كأن كل خليةٍ منك ، وكأن كل نفسٍ منك ، وكأن كل كلمةٍ منك ، وكأن كل عاطفةٍ منك كلها تخفق بهذه المحبة وتؤكدها ؛ لأنها - كما قلنا - محبة لما أحبه الله عز وجل واصطفاه من بني خلقه جميعاً كما أخبر عليه الصلاة والسلام ، قال : ( فأنا خيارٌ من خيار من خيار ) هو صفوة الله من خلقه أجمعين ، وكما ورد في الحديث الذي صححه أهل العلم ، قال عليه الصلاة والسلام : ( إني من نكاحٍ وليس من سفاح في كل الأصلاب ) . أي منذ الخليقة الأولى حتى من لم يكن مسلماً لو من يكن من أجداده كلهم لم يكن في نسبه ولا في أصله عليه الصلاة والسلام سفاحٌ ، بل نكاح صحيح ، وذلك من طيب محتده ، وعراقة أصله ، وطهارته التي اصطفاه الله عز وجل له لأجلها ، واختارها ووضعها له عليه الصلاة والسلام .

وثانياً : لأن الله سبحانه وتعالى أظهر لنا كمال رأفته وعظيم رحمته صلى الله عليه وسلم بأمته
نحن نحب الإنسان متى إذا وجدناه بنا رحيماً ، وعلينا شفيقا ، ولنفعنا مبادراً ، ولعوننا مجتهداً .. أحببناه من أعماق قلوبنا ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم هو في هذا الباب أعظم من رحمنا ورأف بنا ، وإن كان بيننا وبينه هذه القرون المتطاولة .
قال تعالى : { لقد جاءكم رسولٌ من أنفسكم عزيزٌ عليه ما عنتم حريصٌ عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم } .


ولو أردنا أن نذكر أمثلةً لذلك طال بنا المقام ، فرسول الله صلى الله عليه وسلم كثيراً كان يقول: ( لولا أن أشق على أمتي .. ) . وكم من الأحاديث الذي ورد فيها رقته ورحمته بأمته ، كما ورد في الحديث عن الذين جاءوا إلى النبي عليه الصلاة والسلام ، يقول راوي الحديث : وكنا شبيبة متقاربين ، فمكثنا في المدينة نتعلم من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فلما رأى أنا قد اشتقنا لأهلنا - وكان أرحم بنا من أنفسنا - قال : ( ارجعوا إلى أهليكم ، وليؤمكم أكبركم ، وعلموا من ورائكم ) رحمة بهم .

بل تعرفون كان إذا سمع بكاء الصبي يخفف من صلاته رأفةً وشفقةً على قلب أمه به ، وذلك من كمال رحمته وشفقته عليه الصلاة والسلام .
ونحن نعلم مواقف كثيرة في يوم حنين يوم قسمت الغنائم ، ووجد بعض الأنصار في أنفسهم شيئاً ؛ لأن الرسول - صلى الله عليه وسلم - لم يقسّم لهم ، وقسّم للمؤلفة قلوبهم ، فلما جاءهم إلى مكانه ذكر لهم عليه الصلاة والسلام بعض فضله عليهم ، بما فضله الله عز وجل عليه قال : ‏يا معشر الأنصار ما قالة بلغتني عنكم‏؟‏ ووجدة وجدتموها في أنفسكم‏؟‏ ألم تكونوا ضلالاً فهداكم الله بي، وعالة فأغناكم الله، وأعداء فألف بين قلوبكم‏ ؟‏ قالوا‏:‏ بل الله ورسوله أمن وأفضل، قال‏:‏ ‏‏ألا تجيبوني يا معشر الأنصار‏؟‏‏‏‏‏ قالوا‏:‏ وبماذا نجيبك يا رسول الله، ولله ولرسوله المن والفضل‏؟‏ قال‏:‏‏ ‏أما والله لو شئتم لقلتم فلصَدقتم ولصُدقتم، أتيتنا مكذَّباً فصدقناك، ومخذولاً فنصرناك، وطريداً فآويناك، وعائلاً فواسيناك‏.‏ أوجدتم في أنفسكم يا معشر الأنصار في لعاعة من الدنيا‏ تألفت قوماً ليسلموا ‏؟‏ ووكلتكم إلى إسلامكم، ألا ترضون يا معشر الأنصار أن يذهب الناس بالشاة والبعير وترجعون برسول الله صلى الله عليه وسلم في رحالكم‏؟‏ فوالذي نفس محمد بيده إنه لولا الهجرة لكنت امرأ من الأنصار، ولو سلك الناس شعباً لسلكت شعب الأنصار، اللهم ارحم الأنصار وأبناء الأنصار وأبناء أبناء الأنصار .‏
قال‏:‏ فبكى القوم حتى أخضلوا لحاهم وقالوا‏:‏ رضينا برسول الله صلى الله عليه وسلم قسماً وحظاً‏.‏ ثم انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم وتفرقوا‏.‏
وهذا من أعظم ما يظهر فيه كذلك أثر أوداع محبة النبي صلى الله عليه وسلم ، ومن ذلك كمال نصحه لأمته وعنايته على تعليمهم ، حتى قال الصحابة - كما روى بعضهم - في سنن أبي داود قال : ( علمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم كل شيء حتى الخراءة ) ، أي حتى قضاء الحاجة ، علم أمته كل شيء ، وكان عليه الصلاة والسلام لا يدع فرصةً إلا ويعلمهم ، ولا يدع فرصةً إلا ويقول : ليبلغ الشاهد الغائب ، حتى جئنا إلى أيامنا هذه وإلى ما بعدها ، وكأن رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أظهرنا نراه في يقظته ومنامه وحله وترحاله وسلمه وسفره ، بل نحن نعرف عن رسول الله عليه الصلاة والسلام من سيرته أكثر مما نعرف عن أنفسنا .. لم يعرفوا منكم عن صغره من يعرف منكم حاله في نومه أو يقظته رصدت حياته صلى الله عليه وسلم ورصد لنا وصفه وشعره كم شعرةً بيضاء في لحيته كل ذلك في وصفٍ دقيقٍ بليغٍ ، حتى كأن كل شيءٍ في حياته كأنما ورد في وضح النهار وفي رابعة الشمس كما يقولون .


وكذلك من دواعي المحبة خصائصه وخصاله العظيمة ، ويكفينا في ذلك قول الله عز وجل : { وإنك لعلى خلق عظيم } .
وكم اجتمع فيه - عليه الصلاة والسلام - ما تفرق من وجوه الفضائل والأخلاق والمحاسن في الخلق كلهم ، فكان هو مجتمعه المحاسن عليه الصلاة والسلام ، وحسبنا ذلك في هذه الدواعي ، وإلا فالأمر كثير ؛ فإن الذين مالت قلوبهم ، وملئت حباً لرسول الله عليه الصلاة والسلام من أصحابه ، إنما سبى قلوبهم ، واستمال أنفسهم بما كان عليه من الخلق وحسن المعاملة ، وكمال الرحمة ، وعظيم الشفقة ، وحسن القول إلى غير ذلك من ما هو معلوم من شمائله عليه الصلاة والسلام .

مظاهر المحبة وعلاماتها
لأن لكل شيءٍ دليل ، ولكل إدعاءٍ برهان ، ولكل حقيقةٍ في الباطن أثرٌ وبرهانٌ وصورةٌ في الظاهر .
ومن هنا نذكر بعض هذه المعالم العظيمة المهمة من مظاهر وعلامات محبة المصطفى صلى الله عليه وسلم .
ومن أولها : محبته باتباعه والأخذ بسنته صلى الله عليه وسلم
تعصي الإله وأنت تزعم حبه **** هذا لعمري في القياس شنيع
إن كان حبك صادقاً لأطعته **** إن المحب لمن يحب مطيع
وكما قال ابن الجوزي مستشهدً بقول مجنون ليلى :
إذا قيل للمجنون ليلى تريد **** أم الدنيا وما في طواياها
لقال غبار من تراب نعالها **** أحب إلى نفسي وأشفى لبلواها
قال ابن الجوزي : " وهذا مذهب المحبين بلا خلاف ، فكل محبٍ يكون أدنى شيءٍ من محبوبة أعظم إليه من كل شيءٍ في دنياه ، فكان أدنى شيءٍ من الله ، ومن رسوله أعظم وأحب إلى كل مؤمن من كل شيءٍ في دنياه " .
وحسبنا في ذلك ما جاء في كتاب الله في قصة يوسف عليه السلام : { قال رب السجن أحب إلي مما يدعونني إليه } ، أحب السجن ؛ لأنه في مرضات الله وفي العصمة من معصية الله ، ولا أحد يحب السجن بظلمته وأسره وقيده ، لكنه كان محبوباً لقلبه لما كان في محبة ربه وسلامتهم من معصيته .


وهكذا نجد النصوص تتضافر في ذلك ، استمع إلى هذا الحديث يرويه أنس رضي الله عنه - وأنس تعلمون أنه خدم رسول الله صلى الله عليه وسلم عشر سنين - عند الترمذي وقال عنه : حسن غريب .
يقول : " خدمت رسول الله صلى الله عليه وسلم عشر سنين فما قال لي قط لشيءٍ فعلته لما فعلته ،ولا لشيء لما أفعله لما لا أفعله " ، كيف كان يأمره وينهاه وهو خادمه ؟ لو أردنا أن نفعل ذلك مع أحدٍ من خدمنا لا نستطيع أن نفعل ذلك ، ولو عشرة أيام وليس عشر سنوات .
هذا أنس يقول : قال لي النبي صلى الله عليه وسلم : ( يا بني إن قدرت أن تصبح وتمسي ليس في قلبك غشاً لأحدٍ فافعل ) . ثم قال لي : ( يا بني وذلك من سنتي ، ومن أحيا سنتي فقد أحبني ، ومن أحبني كان معي في الجنة ) رواه الترمذي.
معادلةً واضحة ، المحبة في هذا الإتباع ظاهرة


قال ابن رجب رحمه الله في جامع العلوم والحكم كلاماً جميلاً : " فمن أحب الله ورسوله محبةً صادقةً من قلبه ، أوجب له ذلك أن يحب بقلبه ما يحبه الله ورسوله ، ويكره ما يكره الله ورسوله ، ويرضى ما يرضى الله ورسوله ، ويسخط ما يسخط الله ورسوله ، وأن يعمل بجوارحه بمقتضى هذا الحب والبغض ؛ فإن عمل بجوارحه شيئاً يخالف ذلك بأن ارتكب بعض ما يكرهه الله ورسوله ، أو ترك بعض ما يحب الله ورسوله مع وجوبه والقدرة عليه ، دلّ ذلك على نقص محبته الواجبة فعليه أن يتوب من ذلك ، ويرجع إلى تكميل المحبة الواجبة " .

وهنا ملحوظة مهمة تتعلق بمن عصى أو قصر في الواجب فهذا دليل – كما ذكر ابن رجب – على نقصان محبته ، لكنها لم تزل ! ولذلك بعض الناس يتعجب حينما يرى العاصي فيقول : إنه مبغض لرسول الله ، أو كاره لرسول الله ، تلك تهمة عظيمة وفرية كبيرة ! حسبكم في ذلك حديث النبي صلى الله عليه وسلم في صحيح مسلم ، في الرجل الذي كان يشرب الخمر فأوتي به فجلد ، ثم شرب مرةً أخرى فأوتي به فجلد ، ثم ثالثةً فأوتي به فجلد ، فقال رجل من الصحابة : لعنه الله ما أكثر ما يؤتى به ! فقال الرسول صلى الله عليه وسلم : ( لا تلعنه ؛ فإنه يحب الله ورسوله )
أثبت لهم النبي المحبة مع وقوعه في كبيرة من الكبائر ، فلا تهجموا على الناس بنفي المحبة ؛ فإنها نفي إيمانٍ وإخراج من الملة ، إن كنت تقصد نزعها بالكلية والعياذ بالله .

ثانياً : الإكثار من ذكره صلى الله عليه وسلم والصلاة عليه
لا شك أيها الاخوة أن من أحب إنساناً أكثر ذكره ، وأكثر من ذكر محاسنه ، فتجد بعض الناس إذا أحب إنساناً لا يجلس مجلساً إلا ويقول : " انظر ماذا فعل فلان .. قال كذا وكذا .. فلان جزاه الله خيراً .. فلان لا يمكن أن نقدر قدره .. " ، ونحن ينبغي أن نطيب ونعطر مجالسنا في كل وقتٍ وحينٍ بذكر مآثر النبي صلى الله عليه وسلم ، وسيرته وأحواله وشمائله ، وهذا ذكر هو الذي يهيج هذه المحبة ويبعثها ، وكثرة الصلاة عليه الصلاة والسلام تترك هذا المعنى { إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما } .


وفي ذلك امتثال لقوله عليه الصلاة والسلام : ( إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثلما يقول ، ثم صلوا عليّ ؛ فإن من صلى علي صلاة صلى الله عليه به عشرا ) .
وحديث أُبّي بن كعب رضي الله عنه حينما قال : يارسول الله إني أكثر الصلاة عليك فكم أجعل لك من صلاتي ؟ فقال: ماشئت، قلت الربع ؟ قال: " ماشئت ؛ فإن زدت فهو خير لك، قلت: النصف ؟ قال: ماشئت ؛ فإن زدت فهو خير لك، قلت: فالثلثين؟ قال: ماشئت ؛ فإن زدت فهو خير لك ، قلت: أجعل لك صلاتي كلها؟ قال: إذاً تُكفى همك ويغفر ذنبك . أخرجه الإمام أحمد في مسنده ، والترمذي في سننه ، وصحح إسناده الحاكم في مستدركه ووافقه الذهبي .
قال الشراح : كان أُبّي يقصد أن له وردٌ من الدعاء دائم ، فكان يصلي فيه على النبي صلى الله عليه وسلم ، ومن آداب الدعاء أن يقدّم بالحمد والثناء على الله ، والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال : كم أجعل لك من ذلك ؟ قال زد حتى لو كان الحمد والثناء والصلاة على رسول الله عليه الصلاة والسلام ؛ فإنه وإن قلّ الدعاء يكون فيها ما وعد به النبي صلى الله عليه وسلم : إذاً تكفى همّك ويغفر ذنبك " .


ثالثاً : تمني رؤيته والشوق إليه
وقد كان ذلك في أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ، وهم رأوه لكنهم إذا افتقدوه اشتاقوا إليه ، وأتوا في ذلك من الأحوال ما سنذكره في وقفة خاصة ، لكن هذا الشوق شوق حقيقي ، كلكم يعلم من كان يحب زوجته وأبنائه كيف يكون حاله إذا اغترب عنهم ؟
إذا أراد أن يخلد إلى نومه تجلّت له صورهم ، تذكر أحوالهم ، كأنما يسمع أصواتهم ترن في أذنيه ، كأنما يراهم يتلاعبون ويتحركون بين يديه ، وما تزال زفراته تتابع ، وربما عبراته تتوالى شوقاً إلى لقياهم ، فإذا التقى به ربما طاش عقله ، وربما تخلى عن وقاره فهفا إليهم معانقاً ومحباً ! تلك بعض مشاعر المحبة في درجةٍ دنيا وأعظم منها الدرجة لرسول الله صلى الله عليه وسلم في محبته .
وقد قلنا لكم الحديث عند مسلم : ( من أشد الناس حباً ناس يكونون بعدي يود أحدهم لو رأني بأهله وماله ) .


وخذ هذه أيضاً الأمثلة والأحاديث من رواية أبو هريرة ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( والذي نفس محمدً بيده ليأتين على أحدكم يوم لا يراني ، ثم لئن يراني معه أحب إليه من أهله وماله ) أوكما قال صلى الله عليه وسلم .

وهذا الحديث رواية من الروايات عند مسلمٍ في صحيحه أن بلالاً رضي الله عنه يوم ذهب إلى بلاد الشام بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم ، وكان بلال يقول : لم أطق أن أبقى في المدينة بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم ، وكان إذا أراد أن يؤذن إذا جاء بقوله : " أشهد أن محمداً رسول الله " تخنقه عبرته فيبكي رضي الله عنه وأرضاه ، فمضى إلى الشام وذهب مع المجاهدين ، ورجع بعد سنوات ، ثم دخل إلى مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وحان وقت الأذان فأذن بلال فبكى وأبكى الصحابة بعد انقطاعٍ طويل غاب فيه صوت مؤذن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فتذكروا بلالاً وأذانه ، وتذكروا رسول الله صلى الله عليه وسلم .
وكان بلال رضي الله عنه عند وفاته تبكي زوجته بجواره ، فيقول : " لا تبكي غدً نلقى الأحبة محمداً وصحبه " ، فكان يشتاق للقاء رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهو واحد من المبشرين بالجنة كما ثبت ذلك في الحديث لما قال النبي صلى الله عليه وسلم : ‏يا‏ ‏بلال‏ ‏حدثني ‏ ‏بأرجى ‏ ‏عمل عملته عندك في الإسلام منفعة ؛ فإني سمعت الليلة ‏ ‏خشف ‏‏نعليك بين يدي في الجنة ؟ قال‏ ‏بلال :‏ ‏ما عملت عملاً في الإسلام ‏‏أرجى ‏عندي منفعة من أني لا أتطهر طهوراً تاماً في ساعة من ليل ولا نهار إلا صليت بذلك الطهور ما كتب الله لي أن أصلي .


وهكذا روي عن حذيفه ابن اليمان وعن عمار بن ياسر رضي الله عنهم أجمعين كلهم روى أو ذكر القاضي عياض في الشفاء أنهم قالوا : " غداً نلقى الأحبة محمداً وصحبه " .
وهذا الشوق في حياة الصحابة يأتي ذكراً وطرف في صور محبتهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم .


رابعاً : محبة الكتاب الذي أنزل عليه ، والذي بلّغه لأمته
فإن النبي صلى الله عليه وسلم قد اختص بمعجزنه الخالدة إلى قيام الساعة ، وهي كلام الله - عز وجل - وكتابه العظيم كتاب الله الذي فيه الهدى والنور ، لماذا ؟ لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان في القرآن حال المرتحل ، ما معنى الحال المرتحل ؟ لا يختم حتى يبدأ ختمه جديدة ، وكان كما قالت عائشة : " خلقه القرآن " ، وهو أعذب وأمتع من قرأ القرآن ، فمن أحب رسول الله صلى الله عليه وسلم أحب القرآن والتعلق به .


خامساً : محبة آل بيته صلى الله عليه وسلم
ومن أصول أهل السنة والجماعة أنهم يحبون أهل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ويتولونهم ، ويحفظون فيهم وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم .
روى زيد بن أرقم رضي الله عنه قال : قام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوماً فينا خطيباً بماءٍ بين مكة والمدينة ، فحمد الله وأثنى عليه ، ووعظ وذكر ثم قال : ( ألا أيها الناس فإنما أنا بشر يوشك أن يأتي رسول ربي فأجيب، وأنا تارك فيكم ثقلين: أولهما كتاب الله فيه الهدى والنور، فخذوا بكتاب الله، ثم قال: وأهل بيتي اذكركم الله في أهل بيتي ) .
وآل بيته هم آل علي ، وآل عقيل ، وآل جعفرٍ ، وآل عباس هؤلاء حرموا الصدقة بعد النبي صلى الله عليه وسلم فهم آله ، والحديث أخرجه مسلم في صحيحه والأحاديث في هذا كثيرة ، ولها دلالات عظيمة .


ولذلك ذكر أهل العلم في هذا المعنى أقوالً كثيرةً وقال ابن تيميه رحمه الله : وآل محمدٍ - صلى الله عليه وسلم - هم الذين حرّمت عليهم الصدقة " ، وهكذا قال الشافعي وأحمد ابن حنبل وغيره من العلماء ، والأحاديث في فضله مبسوطة ، كما هو في نساء النبي في آله كما في قوله جل وعلا : {يا نساء النبي لستن كأحدٍ من النساء } ، وكما في قوله : {النبي أولى من المؤمنين من أنفسهم وأزواجه أمهاتهم } ، وكما في قوله عز وجل : {ما كان لكم أن تؤذوا رسول الله ولا أن تنكحوا أزواجه من بعده أبدا } ،
والأحاديث في فضائل أزواج النبي صلى الله عليه وسلم ، وفي آل بيته عظيمة ؛ لأن الله عز وجل قال : { محمدً رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم } .

وذكر الترضي على الصحابة ، فمن أحب النبي عليه الصلاة والسلام أحب صحابته ، ومن أبغض أحداً من صحابته فقد كذب في حبه في رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ومن أبغض بعضاً ً أو واحدةً من أزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد كذب في محبة رسول الله عليه الصلاة والسلام ، وأعظم على الله وعلى رسوله الفرية ! وكان من حديث النبي صلى الله عليه وسلم ، فيما رواه سعيد الخدري رضي الله عنه قال عليه الصلاة والسلام : ( لا تسبوا أصحابي فوا الذي نفسي بيده لو أن أحدكم أنفق مثل أحدٍ ما بلغ مدّ أحدهم ولا نصيفه ) .
وقال في حديث أنس الصحيح : ( آية الإيمان حب الأنصار ، وآية النفاق بغضهم ) ، فحب الصحابة وحب آل بيت النبي صلى الله عليه وسلم ، فذلك من الإيمان ومن محبة النبي صلى الله عليه وسلم .

قال أبو زرعه الرازي في وصفه وكلامه على معتقد أهل السنة والجماعة : إذا رأيت الرجل ينتقص أحداً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فعلم أنه زنديق ، وذلك أن الرسول حق ، والقرآن حق ، وما جاء به حق ، وإنما أدى إلينا ذلك كله الصحابة ، وهؤلاء يريدون أن يجرحوا شهودنا ؛ ليبطلوا الكتاب والسنة ، والجرح بهم أولى وهم زنادقة .

وقال الخطيب البغدادي رحمه الله : " عدالة الصحابة ثابتة معلومة بتعديل الله لهم ، وإخباره عن طهارتهم ، واختياره لهم في نص القرآن ، ومن ذلك الآيات الكثيرة ، قال تعالى : { لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة } إلى غيرها من الآيات " .


وقال ابن حجر : " اتفق أهل السنة على أن جميع الصحابة عدولٌ ، ولم يخالف في ذلك إلا شذوذاً من المبتدعة " .
وقال صاحب العقيدة الطحاوية رحمه الله : " ونحب أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولا نفرط في حب أحد منهم ، ولا نتبرأ بأحدٍ منهم ، ونبغض من أبغضهم وبغير الحق يذكرهم ، ولا نذكرهم إلا بخير ، وحبهم دين وإحسان ، وبغضهم كفر وطغيان " .


فهذا من علامات محبة النبي صلى الله عليه وسلم الظاهرة البينة ، وهي مما ينبغي أن يكون معلوماً ومعروفاً ، والأمر في ذلك كثير وعظيم .

الأسباب الجالبة لمحبة النبي صلى الله عليه وسلم
الطريق الذي يعيننا الوسائل التي تقربنا الأعمال التي تذكرنا بهذه المحبة لرسول الله صلى الله عليه وسلم .
أولها : تعظيم محبة الله
كلما ازددت صلةً بالله كلما ذكرك ذلك بحب رسول الله لماذا ؟ ما هي صلتك بالله ؟ ستقرأ القرآن ن ستصلي الصلاة ، ستؤدي زكاة ، ستخرج مالاً وصدقة .. كل فعلٍ من محبتك وصلتك بالله سيذكرك بتعظيم قدر رسول الله صلى الله عليه وسلم ، إذاً أنت له متابع وموافق .
فهذا يهيج على ذلك تقديم محبة النبي صلى الله عليه وسلم على هوى النفس ، وراحة البدن .. عندما تسمع " الصلاة خير من النوم " ، والفراش لذيذ ، والهواء بارد ، والجسم متعب ، أين انبعاثك لتكون مع الذين بشرهم النبي صلى الله عليه وسلم بقوله : ( بشر المشائين إلى المساجد في الظلم بالنور التام يوم القيامة ) ؟
وتذكر أحوال النبي صلى الله عليه وسلم في حرصه على أمته ورأفته بهم ودوام ذكر سيرته .


ثانياً : قراءة سيرة صلى الله عليه وسلم
اقرأوا السيرة - أيها الأحبة - صباح مساء .. علموها أبنائكم ، كما قال السلف : " كانوا يعلموننا مغازي رسول الله صلى الله عليه وسلم كما يعلموننا الآية من القرآن " .
أين سيرة النبي في بيوتنا ؟ أين هي عن أبنائنا ؟ أين أحواله عليه الصلاة والسلام في سائر تقلبات حياته من أن نسمعها صباحاً ومساءً ؟


إن بعض أجيالنا اليوم قد يعرفون عن سقطة الناس وسفلتهم من الممثلين أو الممثلات أكثر ما يعرفون من أحوال رسول الله صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام !
كيف نعظم محبة النبي صلى الله عليه وسلم ونحن لا ذكر سيرته ؟ حتى نرى هذه العظمة ، ونرى تلك الرحمة ، ونرى تلك النعمة التي منّ الله بنا علينا ببعثته ونبوته صلى الله عليه وسلم .


ثالثاً : تذكر الأجر العاجل في الدنيا والآجل في الآخرة بمحبة النبي صلى الله عليه وسلم .

رابعاً : تولى الصحابة رضوان الله عليهم والأكثار من ذكر سيرتهم
فكلما عظمنا الصحابة وذكرنا شيئاً من سيرتهم ؛ فإنما ذلك يدلنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، إذ كلهم من رسول الله ملتمس ، وكلهم من نوره - عليه الصلاة والسلام -مقتبس .


خامساً : تعظيم السنة النبوية والآثار المصطفويه
حتى إذا قيل قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يكون منك ما كان من الصحابة .. يقول الراوي - وسيأتينا حديث عن هذا في محاضرة أخرى في عظمة قدر النبي صلى الله عليه وسلم - : كانوا إذا قيل : قال النبي صلى الله عليه وسلم : اشرأبت الأعناق ، وشخصت الأبصار ، وأصغت الأسماع .. لا انصراف ولا التفات ولا تحرك ، بل احترام وتقدير وإجلال لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، وذاك ما سيأتي لنا عنه حديث .

سادساً : إجلال المحبين للسنة والعاملين بها
هو أيضاً مما يذكرنا ويقربنا من محبة النبي صلى الله عليه وسلم .. كل محدّثٍ ، وكل عاملٍ بسنه ، وكل ملتزمٍ للسنة نحبه ؛ لأنه يذكرنا برسول الله صلى الله عليه وسلم .
وليس كما يحصل اليوم نرى من يلتزم بالسنة في بعض الهيئات وصف بأنه متشدد ، وقد يفرّ الناس منه لقصر في ثوبه أو نحو ذلك .. سبحانه الله ! كيف تقلبت الظروف ؟
كلما رأينا من يتبع السنة ؛ فإنما نرى صورة تذكرنا بحديث الرسول ، وبسنة الرسول ، وفعل الرسول فيكون ذلك عوناً لنا على محبة النبي صلى الله عليه وسلم .

سابعاً : الذبّ عن السنة والدفاع عنها
فكم - وللأسف الشديد - من عدوان يعتدى فيه على ذات الرسول عليه الصلاة والسلام من مسلمين وغير مسلمين ، وكثيراً مالا تجد أحداً يذب عن ذلك ويرد عنه !


مواقف المحبين
وليس هناك أكثر محبةً ولا أصدق ولا أعظم محبةً لرسول الله صلى الله عليه وسلم من صحابته .. خذوا هذه المواقف ، وكل واحدٍ منها حري بنا أن نعيده ، وأن نكرره ، وأن نحفظه ، وأن نتذكره ؛ لنرى كيف كانت محبة القوم رضوان الله عليهم .
هذا عمرو بن العاص يقول مخبراً عن نفسه : " ما كان أحد أحب إلي من رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا أجل في عيني منه ، وما كنت أطيق أن أملئ عيني منه إجلالاً له ، ولو سوئلت أن أصفه ما أطقت ؛ لأني لم أكن أملأ عيني منه "
من هيبته لم يكن يستطيع أن يتأمل في وجه النبي صلى الله عليه وسلم ، ومن محبته كان يتوق إليه ويشتاق .


خذوا هذا الوصف من ابن عمه وزوج ابنته والفصيح البليغ علي ابن أبي طالب حينما سئل : كيف كان حبكم لرسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قال : كان والله أحب إلينا من أموالنا وأولادنا وآبائنا وأمهاتنا ، ومن الماء البارد على الظمأ " وهذا من مآثر الصحابة رضوان الله عليهم .

وحسن أولئك رفيقاً
روى الشعبي والحديث بطرقه حسنه أهل العلم : أن رجلاً من الأنصار جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقال : يا رسول الله لأنت أحب إلي من نفسي وولدي وأهلي ومالي ، ولولا أني آتيك فأراك لظننت أني سأموت !
أي أنت أحب إلي ولئن هناك فرصة فآتي فأراك فتسكن نفسي ، ولو كنت أتصور أني لا أراك سأموت .
ثم بكى فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : ما أبكاك ؟ قال : ذكرت يا رسول الله أنك ستموت فترفع مع النبيين ، ونحن إذا دخلنا الجنة كنا دونك ! أي لن أراك في الجنة ، فلم يخبرهم بشيء حتى نزل قوله عز وجل :{ومن يطع الله والرسول فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقاً } ، فبشره النبي صلى الله عليه وسلم بأنه يكون معه ما دام قد أحبه .

كل مصيبة بعدك جلل
ومن أعظم هذه المواقف : لما كان يوم أحد وأشيع مقتل النبي صلى الله عليه وسلم ، حتى كثرت الصوارخ في ناحية المدينة ، فخرجت امرأة من الأنصار فاستقبلت بخبرموت بأبيها وابنها وزوجها وأخيها يعني كلهم ماتوا واستشهدوا - رضوان الله عليهم - ، فكلما مرت على أحدهم قالت : من هذا ؟ قالوا أبوك .. أخوك .. زوجك .. ابنك .. وهي تقول : ما فعل برسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ فيقولون : أمامك ! وهي تمضي - تركت الزوج والابن والأخ والأب - لم تقف ، ما زالت تمضي ، فلما رأت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أخذت بثوبه ثم قالت : بأبي أنت وأمي يا رسول الله لا أبالي إذا سلمت من عطب .


وفي روايةٍ أخرى لسعد ابن أبي وقاص في قصة هذه المرأة قالت: ما فعل رسول الله ؟ قال بخير يا أم فلان - هو بحمد الله كما تحبيه - قالت : أرونيه حتى أنظر إليه ، فأشير لها إليه، حتى إذا رأته قالت : كل مصيبةٍ بعدك جلل ، أي هينة .

محبة الصدّيق
وأبو بكرٍ - رضي الله عنه - في مكة ، يوم اجتمع كفار قريش يريدون أن يضربوا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فجاء أبو بكرٍ يدافع عن رسول الله عليه الصلاة والسلام ، فتركوا الرسول وتوجهوا إلى أبي بكر وضربوه بنعالهم ، قال ابن هشام : وحرفوا نعالهم في وجهه حتى سقط مغشياً عليه ، ما يعرف وجهه من أنفه - أي من شدة التورم - قال ثم حمل ما يشك في موته أحد - من شدة ما لقي من الضر - قال : فلما أفاق كان أول ما قال : ما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قالوا : هو بخيرٍ كما تحب ! قال : حتى أراه ، فحمل يهادى بين رجلين ، فلما رأى وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم تهلل وجهه وفرح رضي الله عنه وأرضاه .
وهذا من مواقف الحب الصادق لرسول الله صلى الله عليه وسلم .

ما أحب أن تصيبه شوكة
ومن هذه المواقف العظيمة ما كان من قصة زيد بن الدثنه رضي الله عنه الذي أسره أهل مكة ثم خرجوا به ليصلبوه فقال له أبو سفيان - كان إذ ذاك على كفره - : أتحب أن محمداً مكانك وأنت في أهلك وولدك ؟ أنت الذي اتبعت محمداً صلى الله عليه وسلم ، فجاءك هذا الموقف ، والآن ستصلب فهل تحب أن يكون محمد مكانك ، وأنت في أهلك وولدك ؟ فماذا كان الجواب ؟
قال : والله ما أحب أن يشاك محمد صلى الله عليه وسلم بشوكةٍ وأنا آمن في أهلي وولدي .
فقال أبو سفيان : ما رأيت أحداً يحب أحداً كحب أصحاب محمدٍ محمداً - صلى الله عليه وسلم - !!


وهناك مواقف كثيرة لا بد من ذكرها لبعض السلف من التابعين لنعرف أن هذه المحبة هي كما قلنا جوهر إيماننا وأساس من أسس إسلامنا ..
هذا مالك ابن أنسٍ يقول عن أيوب السختياني - رحمه الله - : ما حدثتكم عن أحدٍ إلا وأيوب أوثق منه - أي في مكانه عالية - قال مالك : وحج حجتين ، وحججت معهم ، فكنت أرمقه ولا أسمع منه - أي لا يسمع منه الحديث - قال : غير أنه كان إذا ذكر النبي صلى الله عليه وسلم بكى حتى أرحمه ! فلما رأيت منه ما رأيت وإجلاله للنبي صلى الله عليه وسلم كتبت عنه - أي أخذ عنه الحديث - لما رأى من إجلاله ، وفعل محبته وتأثره بذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم .

وهذا مصعب بن عبد الله يروي عن مالك يقول : كان مالك إذا ذكر النبي صلى الله عليه وسلم يتغير لونه وينتحني حتى يصعب ذلك على جلسائه - أي يشفقون عليه - فقيل له يوماً في ذلك! فقال : لو رأيتم ما رأيت لما أنكرتم علي ما ترون .
وذكر الإمام مالك عن محمد بن المنكدر - من أئمة التابعين وكان سيد القراء – قال : لا نكاد نسأله عن حديثٍ أبداً إلا يبكي حتى نرحمه رحمه الله .

والحسن البصري جاءنا بمثلٍ جميل - وهذا باب ضاق المقام عن أن أذكره لكم - حب الجمادات لرسول الله صلى الله عليه وسلم : ( أحد جبل نحبنا ونحبه ) .. الجذع الذي كان يخطب النبي - صلى الله عليه وسلم - عليه ، فلما بني المنبر طلع يخطب على المنبر ، فإذا الجدع يحنّ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وسمع له الناس حنيناً ، فنزل النبي من على المنبر فوضع يده على الجدع فسكنه فسكن .
كان الحسن البصري - رحمه الله - إذا ذكر حنين الجذع وبكائه يقول : " يا معشر المسلمين الخشبة تحنّ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم شوقاً إلى لقائه ، فأنتم أحق أن تشتاقوا إليه !" .

ويقول بعض السلف : كنت آتي صفوان بن سليم - وكان من المتعبدين المجتهدين - فإذا ذكر النبي صلى الله عليه وسلم بكى ، فلا يزال يبكي حتى يقوم عنه الناس ويتركوه .
وهذا كما قلت باب واسع عظيم فيه مآثر ، أختمها بهذه القصة وأذكرها بطولها ، ذكرها الذهبي رحمه الله في " سير أعلام النبلاء " وهي جميلةٌ رائعة ، والذهبي إمام من أهل السنة ، وجهبذ من جهابذة النقد من أئمة الجرح والتعديل ، لا يقول كلاماً عاطفياً دون أن يكون له الأساس والعلم ، يقول في ترجمة عبيدة بن عمر السلماني - من التابعين من أصحاب علي ابن أبي طالب رضي الله عنه – يقول : قال محمد : قلت لعبيدة : إن عندنا من شعر رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئاً من قِبل أنس بن مالك ، فقال : لئن يكون عندي منه شعرة أحب إلي من كل صفراء وبيضاء على ظهر الأرض .
أي أحب إلي من كل ذهبٍ وفضةٍ في الأرض ، قال الذهبي : " قلت : هذا القول من عبيدة هو معيار كمال الحب ، وهو أن يؤثر شعرةً نبوية على كل ذهبٍ وفضةٍ بأيدي الناس .
ومثل هذا يقوله هذا الإمام بعد النبي صلى الله عليه وسلم بخمسين سنة ، فما الذي نقوله نحن في وقتنا لو وجدنا بعض شعرٍه بإسنادٍ ثابت ، أو شسع نعلٍ كان له ، أو قلامة ظفرٍ ،أو شقفة من إناء شرب فيه ، فلو بذل الغني معظم أمواله في تحصيل شيء في ذلك عنده أكنت تعده مبذراًً أو سفيهاًً ؟
كلا ! فابذل مالَكَ في زورة مسجده الذي بنى فيه بيده ، والسلام عليه عند حجرته في بلده ، والتذّ بالنظر إلى أُحُده وأحبّه ، فقد كان نبيك صلى الله عليه وسلم يحبه ، وتملأ بالحلولِ في روضته ومقعده ، فلن تكون مؤمناً حتى يكون هذا السيد أحب إليك من نفسك وولدك وأموالك والناس كلهم ، وقبّل حجراً مكرماً نزل من الجنة ، وضَع فَمَك لاثماً مكاناً قبّله سيد البشر بيقين ، فهنأك الله بما أعطاك ، فما فوق ذلك مفخر .
ولو ظفرنا بالمحجن الذي أشار به الرسول صلى الله عله وسلم إلى الحَجَر ثم قبّل محجنه ،لحُقّ لنا أن نزدحم على ذلك المحجن بالتقبيل والتبجيل ، ونحن ندري بالضرورة أن تقبيل الحجر أرفع وأفضل من تقبيل محجنه ونعله .
وقد كان ثابت البناني إذا رأى أنس بن مالك أخذ يده فقبلها ، ويقول : يدٌ مست يد رسول الله صلى الله عليه وسلم ،فنقول نحن إذ فاتنا ذلك : حجرٌ معظّم بمنزلة يمين الله في الأرض ، مسّته شفتا نبينا صلى الله عليه وسلم لاثماً له ، فإذا فاتك الحج وتلقيت الوفد فالتزم الحاج وقبل فمه وقل : فمٌ مسّ بتقبيل حجراً قبّله خليلي صلى الله عليه وسلم " .


وهذا من نفائس القول لأئمتنا وعلمائنا رحمة الله عليهم ورضوان الله عليهم أجمعين ، والباب في هذا يطول كما ذكرت .

ثمار المحبة
يكفينا فيها ثمرتان :
أن هذه المحبة في الدنيا عون على الطاعة ، والإكثار من العبادة ، وخفة ذلك على النفس وإقبال الروح على مزيدٍ من الطاعات .
وأما في الآخرة فحسب المحبة أن تكون نجاته من النار ، ولحوقاً برسول الله صلى الله عليه وسلم كما قال : ( المرء مع من أحب ) ، وفي الدنيا كذلك إعانة على هذه الطاعات ؛ لأنه كما قال النبي عليه الصلاة والسلام في شأن محبة الله وموافقة رسوله في الحديث القدسي : ( كنت يده التي يبطش بها ، ورجله التي يمشي عليها ... ) إلى آخر ما هو معلوم .


وقفة أخيرة أيها الاخوة الأحبة :
محبة النبي صلى الله عليه وسلم بين الغلو والجفاء
هذه المحبة التي قلناها ما بال بعضنا يفسدها بغلوٍ يخرج عن حد الاعتدال ، أو جفاءٍ يبتعد فيه المسلم عن حق رسول الله صلى الله عليه وسلم في تعظيم محبته عليه الصلاة والسلام ؟
الأمر في هذا يطول كثيراً ، والخلاف والخروج عن مقتضى سنته ، ومقتضى محبته في هذا الباب كثير ، وخير الأمور أوسطها .. الغلو خرج به قوم إلى صورٍ كثيرة لا تخفى عليكم من حيث الواقع ، ولكني أذكرها من حيث المنهج والمبدأ .


من يجعل المدح مدخلاً لذكر ما هو خاص مستحق لله عز وجل لا يجوز أن يشاركه فيه غيره ، ولا أن يوصف به غيره ، ولو كان هذا هو رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فلا يُدعى رسول الله عليه الصلاة والسلام ما هو من حق الله ، وخصائص الله سبحانه وتعالى ، وهذا يأباه النبي صلى الله عليه وسلم !
وقد علّمه للناس في وقته وفي زمانه ، كما قال : ( لا تقل : ما شاء الله وشئت ، ولكن قل : ما شاء الله ثم شئت ) بعضهم يقولون لك هذه الألفاظ تعبير عن المشاعر ، ولا نقصد بها عين الألفاظ ! نقول : سبحان الله ! هل أنتم أعلم أو أحكم من رسول الله عليه الصلاة والسلام ؟ لِمَ ترك التنبيه على الألفاظ إذا كانت ليست مؤثرة ، وليست بذات تأثيرٍ في النفس ، وتأثير في الفكر والعقل !!
وكان الصحابة يحبون النبي صلى الله عليه وسلم ويثنون عليه ، وهو يقول عن نفسه : ( أنا سيد ولد آدم ولا فخر ) ، ولكنه يقول : ( لا تطروني كما أطرت النصارى المسيح بن مريم ) كيف أطروه ؟ قالوا : هو الله ! خرجوا به عن حد بشريته ، وخرجوا به عن حد نبوته ، وعن حد تعظيمه الذي يناسب مقامه ومكانه ، فهذا غلو ليس مطلوباً بحال .

وضرب آخر من الغلو وهو : الإتيان بالمخالفات - عملية وفعلية - لسنة وهدي رسول الله صلى الله عليه وسلم بدعاء للمحبة ، أو في أوقات وأفعال وأحوالٍ تُدعى فيه محبة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فالاجتماع لمحبته مع وجود الاختلاط ، أو وجود ما هو مذموم من الغناء والخروج عن حد الاعتدال أو ما هو مذموم من ادعاء أمورٍ الغيبية من حلول روحه ، أو من تجسد روحه ، أو من رؤيته ، ونحو ذلك .. وهذه الأمور التي لا تثبت ، بل يثبت في عموم الأدلة وبعض الأحوال في خصوصها من يناقضها ويعارضها ، حتى هذا الادعاء ليس له دليل ، وليس له حجة .

ثم أمر ثالث أيضاً في هذا الغلو وهو : الإدعاء والاختراع لأمورٍ وأقوال وأحوال لم تثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم .
النبي عليه الصلاة والسلام علمنا الصلاة عليه ، ووردت لنا في أحاديثه صيغ كثيرةٍ من الصلوات ، وهناك صيغ فيها إطلاق للصلاة عليه والسلام مثل : " الصلاة عليه عدد قطر الأمطار " ومثلها لا بأس ، ولكن أن نخصص صلوات معينة ، لا بد أن تحفظ ، وأن تذكر بعددٍ من المرات ، من أين لنا هذا ؟ ومن أين لنا أن نوجب على الناس ، أو أن نسنّ لهم ، أو أن نشرّع لهم ما لم يشرعه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكلامه أوثق وأقوى ، وهو الذي أوتي جوامع الكلم عليه الصلاة والسلام .


ونجد كذلك هناك ادعاءات كثيرة فيما يتعلق بالأقوال والأحاديث ، بعضها ضعيف ، وبعضها موضوع ، وبعضها لا يثبت ، ومع ذلك كل هذا يقال وينسب لرسول صلى الله عليه وسلم بادعاء الرغبة في المحبة ! أو التحليل ، وهذا كله خارج حد الاعتدال .

ويمكن أن نقول هناك تنبيهان أساسيان في هذا :
أولهما : أنه يجب على المسلم المعظم المحب لرسول الله صلى الله عليه وسلم أن يفرق بين ما هو حق لله عز وجل لا يجوز أن يوصف ، ولا أن ينسب لأحدٍ إلا لله عز وجل ، وبين ما هو حق لرسوله صلى الله عليه وسلم وتعظيم له ، فالالتجاء وطلب كشف الضراء وغير ذلك أثبته النبي صلى الله عليه وسلم لله عز وجل ، وبين في نصوص القرآن أصل ما يدل على ذلك .


والأمر الثاني : التفريق بين صور التعظيم المشروع - أو الداخل في دائرة المشروع – وبين ما هو معلوم وظاهر أنه يخالف هدي وسنه رسول الله صلى الله عليه وسلم .

وأما الجفاء فكذلك إن كنا ننكر الغلو ونحذر منه فكذلك الجفاء كثيراً أو بعضاً من الناس في قلبه شيء من الجفاء ، ولا يذكر النبي صلى الله عليه وسلم كثيراً ، ولا يصلي على رسول الله على الصلاة والسلام إذا ذكر ، وإذا ذكر مرة صلى ، فإذا تكرر ذكره ثانيةً أو ثالثةً لم يصلي ! كأن الصلاة تشق عليه أو تثقل على لسانه !
هذه مسائل خطيرة ، وهذه الصور من الجفاء - حتى بترك زيارة مسجد النبي صلى الله عليه وسلم ، أو ترك السلام على رسول الله عليه الصلاة والسلام - وبترك التعلق بسنته ونحو ذلك كثيرٌ من الصور يمكن أن نذكر بعضاً منها صور جفاء منها : البعد عن السنة باطناً وظاهراً ، ترك سنن النبي عليه الصلاة والسلام ضربٌ من الجفاء ، ومجانبة لمحبته عليه الصلاة والسلام .


ولذلك - أيها الاخوة الأحبة - ليست المحبة الادعاء ؛ فكثير من أحوالنا ظاهراً وباطناً فيها مخالفة للرسول ، فكيف لا نشعر أن هذا نقص ؟ إن في هذا نقص لمحبتنا رسول الله عليه الصلاة والسلام .
أيضاً الموقف من السنة والأحاديث الثابتة ، كردّ الأحاديث الصحيحة ضرب كبير من الجفاء ، وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم يقول : ( ألا يوشك رجلٌ شبعان متكئٌ على أريكته يقول : الحلال ما أحله الله ، والحرام ما حرمه الله - أي ليس هناك مكان أو اعتبار لسنة الرسول صلى الله عليه وسلم - ألا إنما أحلّ رسول الله كما أحل الله ، وإنما حرّم رسول الله كما حرم الله ) .

ثم كذلك نرى الآن كثير من الناس يتحدثون بموجب مقتضيات عقولهم ، يقول لك : نعم هذا حديث ! لكن هذا لا يعقل ، وهذا لا يصلح في هذا الزمان ! هذا كله ضربٌ من المخاطر العظيمة في شأن المحبة ، بل في شأن الإيمان بنبوة الرسول صلى الله عليه وسلم .
العدول عن سيرته .. عدم الهيبة والتعظيم والإجلال عند ذكره أو ذكر حديثه .. وهذا باب طويل كما قلت سيأتينا ذكر له إن شاء الله تعالى .
ولذلك نزل قول الله عز وجل : { يا أيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي } .
وعرف الصحابة ذلك ، فكان موقف ثابت بن قيس أن اعتزل مجلس النبي عليه الصلاة والسلام ؛ لأنه جهوري الصوت .
و موقف عمر بن الخطاب حينما رأى رجلين جلسا إلى مجلس النبي صلى الله عليه وسلم بجوار قبره ، ورفعا أصواتهما : " لولا أنكما من غير أهل المدينة لأوجعتكما ضرباً " ، ثم قال : اخفضا صوتكما ؛ فإن حرمته حياً كحرمته ميتاً عليه الصلاة والسلام .


من هذا الجفاء كذلك : هجر السنن المكانية
بأن نهجر زيارة مسجده ، وزيارة مسجد قباء ، والأماكن الذي كان يتنقل فيها الرسول صلى الله عليه وسلم ؛ لعل قدماً توافق قدماً ، أو جبهةً توافق جبهة ، وتستشعر وأنت في الروضة ، وأنت في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم ، وأنت في أحد كل سيرة النبي صلى الله عليه وسلم ، تحيي في قلبك هذه المعاني .


فما بال كثيرٍ منا - والأمر متيسر - ربما تمر لا أقول عام بل أعوام كثيرة ، بل وجدت أمراً لا يتصور ! وجدت شباباً في الجامعات لم يذهبوا إلى المدينة مطلقاً - وهم من أهل هذه البلاد - بل يرو مسجده ، ولم يزوروا قبره ،ولم يصلوا في روضته ، ولم يشهدوا قباء ، ولم يرو أُحداً !!
كيف يكون هذا ؟ والناس يضربون - لا نقول أكباد الإبل - وإنما يطيرون بالطائرات مسافات واسعة لحج بيت الله الحرام ، وزيارة مسجد الرسول عليه الصلاة والسلام ، والسلام عليه بقبره عليه الصلاة والسلام .
مسائل مهمة كذلك لا ينبغي أن يكون عندنا هذا الجفاء ، وبعض الناس عنده نقطة مهمة جداً ، وهي الحساسية المفرطة من ذكر أمر النبي عليه الصلاة والسلام والصلاة عليه ، وذكر مآثره ، وذكر ما ثبت في تعظيمه . يقول لنا : لا نريد هذه المبالغة حتى نسد باب الذرائع !


أخي ليس ذلك كذلك ! تعظيم النبي عليه الصلاة والسلام واجب ، ومحبته واجبة ، وما دام ذلك قد ثبت في الأحاديث وفي سنه النبي صلى الله عليه وسلم ، في معجزاته تفجر الماء من بين يديه ، وانشقاق القمر ، وفي خصائصه وشمائله لكثيرة المأثورة المذكورة المنشورة التي امتلأت بها صحاح كتب السنة .
لماذا لا نعظم الرسول صلى الله عليه وسلم ؟ لماذا لا نثير هذه السيرة والمواقف ؛ لتكون المحبة أعظم في القلوب ؟ ليس هناك من حرج ولكن حساسية ، وإن كان هناك من يغلو أو يجنح فلا يدفعنا ذلك إلى أن نسد أو نوقف هذه ، أو نمنع هذه الأحاديث والأحوال بحجة سد باب الذريعة . كلا ! فما ثبت لا بد أن يقال وأن يعاد وأن يعلم ويشهر ، وأن يذكر ؛ حتى يكون مقام النبي صلى الله عليه وسلم ومحبته على الوجه الذي أراده الله عز وجل لنا ، وأراده لنا رسوله صلى الله عليه وسلم .

من أعظم الهجر والجفاء لمحبة النبي صلى الله عليه وسلم : الابتداع
كل مبتدعٍ يتلبس بدعةً يخالف فيها سنة النبي صلى الله عليه وسلم فهو ضرب من الجفاء ، كأن الرسول صلى الله عليه وسلم يقول له أفعل كذا ، وهو يفعل غيره ونقيضه ! وهذا أمرٌ عظيمٌ جداً .


من أهم الأمور في الجفاء : ترك الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم
وكذلك : عدم معرفة قدر الصحابة وذمهم
كيف تدعي حبّ الرسول صلى الله عليه وسلم ثم تذمّ أصحابه الذين كانوا عن يمينه وعن يساره ، الذين فدوه بأرواحهم ، وجعلوا صدورهم دروعاً تتلقى السهام ؛ ليجودوا عن رسول الله عليه الصلاة والسلام ؟ كيف يمكن لأحدٍ أن يدعي المحبة وهو يذمّ أو يتهم أو يشنع على أزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم أمهات المؤمنين ؟
كل هذا ضرب من الهجران والجفاء المبغوض المذموم ، الذي هو من أشد وأفظع ما يرتكبه مسلم في بعده عن دين الله عز وجل ، وعن مقتضى هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم .

من الجفاء : عدم العناية بالسيرة النبوية وعدم معرفة الخصائص والخصال
أحبتي الكرام : خصال النبي صلى الله عليه وسلم وخصائصه عظيمة جداً ، أكثرها لا يعرفها الناس ، ولا يقرؤونه ، ولا يعرفون أحاديثه الثابتة ، حتى الأمور المادية كالمعجزات المادية ، من المهم أن نذكرها كان النبي صلى الله عليه وسلم يسمع تسبيح الحصى ، وقال - كما في صحيح مسلم - : ( إني لأعرف حجراً كان يسلّم عليّ بمكة ) ، هذا قبل بعثته قد ثبتت به الأحاديث ، وهناك فصل كامل في محبة الجمادات لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكما قال العلماء هي محبة حقيقية لا نعرف كنهها .. ( أُحُد جبل يحبنا ونحبه ) والجذع كما قلنا في ذلك سابقاً .


فينبغي لنا أن ننتبه لهذا وأن نكون في هذا الميدان الوسط ، ميدان بعد عن الغلو وخروجٍ عن حد الاعتدال وبعد كذلك عن الجفاء ، والقيام بما ينبغي لرسول الله عليه الصلاة والسلام من محبةٍ وإجلال .

أسأل الله سبحانه وتعالى أن يعظم محبة رسوله في قلوبنا ، وأن يجعل محبة رسول الله صلى الله عليه وسلم أعظم عندنا من محبة أنفسنا وأهلنا وآبائنا وأمهاتنا وأزواجنا وبناتنا ، وأن يجعل محبة رسول الله صلى الله عليه وسلم طمأنينة قلوبنا ، وانشراح صدورنا ، وأن يجعل محبته عوناً لنا على طاعة الله عز وجل ، وحسن الصلة به ، إنه سبحانه وتعالى ولي ذلك والقادر عليه .

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
محبة النبي صلى الله عليه وسلم
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
 :: الدين الأسلامى :: اسلاميات-
انتقل الى: