هو الإمام الحافظ الكبير، شيخ أهل المشرق وعالمها، فقيه خراسان1 إسحاق بن إبراهيم بن مخلد بن إبراهيم بن عبد الله بن مطر بن عبيد الله بن غالب بن وارث بن عبيد الله بن عطية بن مرة بن كعب بن همام بن أسد بن مرة بن عمرو بن حنظلة بن مالك بن زيد مناة بن تميم التميمي، ثم الحنظلي المرزوي، نزيل نيسابور.
وكنيته أبو يعقوب، وكان يكنى أبا محمد نسبة إلى أحد أولاده: محمد بن إسحاق بن راهوية، وكان فقيهاً جليلاً تتلمذ على والده والإمام أحمد.2
وشهرته ابن راهوية، وإنما اشتهر بها، لأن والده ولد في طريق مكة فقالت المراوزة: راهوية، لأنه ولد في الطريق، وقد سأل الأمير عبد الله بن طاهر3 الإمام إسحاق فقال له: لم قيل لك ابن راهوية، وما معنى هذا،
وهل تكره أن يقال لك ذلك؟ فقال: اعلم أيها الأمير أن أبي ولد في طريق مكة، فقالت المراوزة راهوية، لأنه ولد في الطريق، وكان أبي يكره هذا وأما أنا فلا أكرهه1.
وكما كان والد إسحاق يكره أن يدعى براهوية كان الإمام أحمد يكره أن يدعى قرينه ورفيق حياته بذلك، فقد ذكر الخطيب البغدادي عن أحمد بن حفص السعدي2 يقول: ذكر أحمد بن حنبل وأنا حاضر إسحاق بن راهوية فكره أحمد أن يقال راهوية، وقال: إسحاق بن إبراهيم الحنظلي3، وهذا من تمام أدبه وورعه مع زميله الإمام إسحاق رحمه الله.
ولادته، ونشأته
اختلفت الأقوال في تاريخ ولادته إلى أقوال، وأرجح الأقوال أنه ولد سنة إحدى وستين ومائة رجح هذا القول الخطيب البغدادي فقال بعد أن ساق عن الإمام البخاري: أن إسحاق بن راهوية توفى وهو ابن سبع وسبعين سنة قال الخطيب: وهذا يدل على أن مولده كان في سنة إحدى وستين ومائة قبل مولد أحمد بن حنبل بثلاث سنين.1
وكان ولادته في مدينة مرو الشاهجان التي هي قاعدة بلاد خراسان على نهر مرغاب، فتحها الأحنف بن قيس أيام الخليفة العادل عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، وسكن فيها من الصحابة بريدة بن الخصيب والحكم بن عمر الغفاري، وبذروا فيها بذور العلم والحكمة، فأضحت المدينة الكبرى، والدار العظمى مربع العلماء، ومرتع الملوك والوزراء، وأخرجت كثيراً من علماء الدين والأعيان ما لم تخرج مدينة مثلهم، منهم الإمام أحمد، وسفيان الثوري، وعبد الله ابن المبارك، وهي مدينة حسنة المنظر، في أهلها رفق ولين الجانب2 وحسن المعاشرة.
في هذه الأرض الطيبة، والطبيعة الخلابة، والبيئة العلمية نشأ الإمام إسحاق بن راهوية في كنف أبيه التقي الورع المتحضر للمجد والسؤدد الذي قال فيه أحمد بن سعيد الرباطي1 في جملة أبيات يمدح فيها الإمام إسحاق فقال:
أبوك إبراهيم محض التقى سباق مجد وابن سباق2
فأخذ والده بتنشئته تنشئة علمية، ووجهه إلى التفقه في الدين فاتجه إلى هذا المجال يساعده في ذلك ذكاؤه المتوقد، وقوة ذاكرته العجيبة، وسرعة حفظه النادرة، فأدرك عصر النشاط العلمي الذي كان لبلده نصيب وافر فيه، فكان لهذه الأسباب أثر في نبوغه وشهرته، وتفوقه على أقرانه.
طلبه للعلم، ورحلاته
ابتدأ الإمام إسحاق رحمه الله منذ نعومة أظافره بطلب العلم فالتحق بالكتاب، وحفظ بعض المجاميع، وتلقى الفقه، كما ذكر لدى مناقشته أحد الفقهاء في مجلس الأمير عبد الله بن طاهر.1
كما حضر مجالس كبار علماء بلده مثل عبد الله بن المبارك وهو صبي حدث، ثم ترك الرواية عنه لحداثته، ولأنه لم يجد في نفسه الكفاءة التامة المطلوبة لذلك2، كما التقى بطائفة جليلة من أقطاب أئمة عصره، أمثال الفضل بن موسى السيناني، وعمر بن هارون3 والنضر بن شميل المازني، ويحيى بن واضح4، وخلق سواهم.5
وكان لهؤلاء الشيوخ أثر كبير في توجيه الإمام إسحاق العلمي، ولما أحس أنه قد أخذ الحديث والفقه، وغيرها من العلوم من علماء بلده، وما حولها من بلاد خراسان، ابتدأ في الرحلة لطلب العلم، فكان أول رحلاته إلى بغداد حاضرة العالم الإسلامي ومهد العلوم، ومقصد طلاب العلم من شتى الأمصار الإسلامية آنذاك، وكان ذلك سنة أربع وثمانين ومائة وهو ابن ثلاث وعشرين سنة.1
ثم تتابعت رحلاته، فورد بغداد غير مرة، ورحل إلى الحجاز واليمن والشام2 فسمع من علمائها، وتوطدت العلاقة بينه وبين قرينه الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله فكانا يتذاكران العلم، حتى غفلوا عن التكبير لانشغالهما بالمذاكرة.3
وقال الإمام إسحاق رحمه الله: كنت أجالس أحمد وابن معين، ونتذاكر فاقول: ما فقهه؟ وما تفسيره؟ فيسكتون إلا أحمد4 وكان صدراً في مجالس العلماء، يدير المناقشة بين الحاضرين، ويلقي الأسئلة، كما نقل
ذلك محمد بن يحيى الذهلي1 قال: وافقت إسحاق ابن إبراهيم صاحبنا سنة تسع وتسعين ببغداد اجتمعوا في الرصافة أعلام أصحاب الحديث فمنهم أحمد بن حنبل، ويحيى بن معين، وغيرهما فكان صدر المجلس لإسحاق، وهو الخطيب.2
والتقى الإمام إسحاق رحمه الله بالإمام الشافعي أثناء رحلته مع الإمام أحمد إلى الحجاز، فقد قال إسحاق بن راهوية: لقيني أحمد بن حنبل بمكة فقال: تعالى حتى أريك رجلاً لم تر عيناك مثله، فأراني الشافعي.
وقال: وكان أحمد يجالس الشافعي، وكنت لا أجالسه. فقال لي أحمد يا أبا يعقوب: لم لا تجالس هذا الرجل؟ فقلت: ما أصنع به وسنه قريب من سننا؟ كيف أترك ابن عيينة وسائر المشايخ لأجله؟ قال: ويحك هذا يفوت، وذلك لا يفوت، قال إسحاق فذهبت إليه، وتناظرنا في كراء بيوت أهل مكة3.
ونقل نتيجة هذه المناظرة الإمام أحمد رحمه الله الحكم العدل
والصديق الحميم للمتناظرين، قال صالح بن أحمد بن حنبل قال أبي "جلست أنا وإسحاق بن راهوية يوماً إلى الشافعي، فناظره إسحاق في السكنى بمكة، فعلا إسحاق يومئذ الشافعي".1
كما ناظره في جلود الميتة إذا دبغت، فقال الشافعي: دباغها طهورها فقال إسحاق: ما الدليل؟ فقال الشافعي:حديث الزهري عن عبيد الله بن عبد الله عن ابن عباس عن ميمونة أن النبي صلى الله عليه وسلم "مر بشاة ميتة فقال: هلا انتفعتم بجلدها"، فقال إسحاق: حديث ابن عكيم: "كتب إلينا رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل موته بشهر لا تنتفعوا من الميتة بإهاب ولا عصب" أشبه أن يكون ناسخاً لحديث ميمونة أنه قبل موته بشهر، فقال الشافعي: هذا كتاب وذاك سماع فقال إسحاق: إن النبي صلى الله عليه وسلم كتب إلى كسرى وقيصر وكان حجة عليهم عند الله فسكت الشافعي.2
كما التقى خلال رحلاته بعبد الرزاق الصنعاني باليمن فقد قال: كنت مع أحمد بن حنبل عند عبد الرزاق، وكان معي جارية، وسكنا فوق وأحمد أسفل في البيت فقال لي: يا أبا يعقوب هوذا يعجبني ما أسمع
من حركتكم. قال: وكنت أطلع فأراه يعمل التكك ويبيعها، ويتقوت بها.1
وهكذا جمع الإمام إسحاق علماً كثيراً نافعاً، وضارع بعض أئمة عصره وفاق آخرين، واشتهر حتى أن بعض شيوخه حلف أن لا يحدث كذا شهراً واستثناه، فقد قال الإمام إسحاق أتيت وهب بن جرير فقال: قد حلفت أن لا أحدث كذا شهراً، قال: قلت قد أغنى الله عنك، وأردت أن يكون اسمك عندي، قال: فقال لي: من أين أنت؟ قلت: خراساني قال: لعلك إسحاق بن راهوية؟ قال: قلت: نعم، قال: قد استثنيتك فسلني.2
وبعد هذا التجوال في البلاد الإسلامية، والاستفادة من علمائها وتزوده بالعلم النافع، عاد إلى خراسان، واستوطن نيسابور.3
وغدا مسموع الكلمة، موفور الكرامة، مقدماً لدى الأمراء مرجعاً للعلماء، قدوة للخاصة والعامة.
بعض شيوخ الإمام إسحاق
لقد كان الإمام إسحاق رحمه الله شغوفاً بالعلم، فلذا كثرت رحلاته العلمية، التقى خلالها بكثير من علماء عصره المبرزين في العلوم الإسلامية من فقه، وحديث، وتفسير، وليس قصدي في هذه العجالة أن أحصر وأجمع كل من التقى بهم وتتلمذ عليهم من الشيخ وإنما أترجم لبعض شيوخه الذين لهم تأثير في حياته العلمية، وهم على سبيل المثال:
- ابن المبارك 118-181هـ.
هو عبد الله بن مبارك بن واضح المرزوي، مولى بنى حنظلة، ثقة فقيه، عالم، قال أحمد: "لم يكن في زمان ابن المبارك أطلب للعلم منه، وكان صاحب حديث حافظاً"، وقد أفنى عمره في الأسفار حاجاً، ومجاهداً، وتاجراً، وجمع الحديث والفقه، والعربية، وأيام الناس والشجاعة، والسخاء، كان من سكان خراسان، ومات بهيت على الفرات منصرفاً من غزو الروم.
سمع منه الإمام إسحاق وهو حدث، فترك الرواية عنه لحداثته.1
- الطنافسي ت 185هـ.
هو عمر بن عبيد بن أمية الطنافسي -بفتح الطاء والنون وبعد الألف فاء مكسورة، ثم سين مهملة- الكوفي صدوق، أخرج له أصحاب الكتب الستة، روى عنه الإمام أحمد وإسحاق وابنا أبي شيبة وخلق سواهم، قال الإمام أحمد: لم ندرك بالكوفة أحداً أكبر منه، وقال ابن سعد: كان شيخاً قديماً ثقة توفى سنة خمس وثمانين، وقيل: بعدها.1
- عبد العزيز العمي ت 187.
هو عبد العزيز بن عبد الصمد العمي البصري الحافظ الثقة، أبو عبد الصمد روى له أصحاب الكتب الستة، وروى عنه أحمد بن حنبل، وإسحاق بن راهوية، وبندار وآخرون توفى سنة سبع وثمانين ومائة2
-الدراوردي ت 187.
هو الإمام المحدث عبد العزيز بن محمد بن عبيد الدراوردي، أبو محمد المدني الجهني بالولاء. قال ابن سعد: كان ثقة كثير الحديث، يغلط، أصله من خراسان، ومولده ووفاته بالمدينة.3
-الفضيل بن عياض ت 187.
هو الفضيل بن عياض بن مسعود التميمي اليربوعي المرزوي، أبو علي شيخ الحرم، من أكابر العباد الصلحاء، كان ثقة في الحديث، أخرج له البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي، أخذ العلم عنه خلق منهم الإمام الشافعي وإسحاق بن راهوية وابن المبارك.
قال ابن سعد: كان ثقة نبيلاً فاضلاً عابداً ورعاً كثير الحديث، مات بمكة أول سنة سبع وثمانين ومائة.1
-السيناني 115-192هـ.
الفضل بن موسى السيناني المرزوي الحافظ ثقة ثبت، قال الإمام إسحاق بن راهوية: لم أكتب عن أحد أوثق في نفسي من الفضل بن موسى ويحيى ابن يحيى، ولد خمس عشرة ومائة، وتوفى رحمه الله في الحادي عشر من ربيع الأول سنة اثنتين وتسعين ومائة.2
وروى أبو الحسن علي بن إسحاق بن راهوية، قال: ولد أبي من بطن أمه مثقوب الأذنين، قال فمضى جدي راهوية إلى الفضل بن موسى السيناني فسأله عن ذلك، وقال: ولد لي ولد خرج من بطن أمه مثقوب الأذنين فقال: يكون ابنك رأساً إما في الخير، وإما في الشر.1
-مروان الفزاري ت 193هـ.
هو مروان بن معاوية بن الحارث بن أسماء الفزاري الكوفي الحافظ المحدث الثقة، نزيل مكة، ثم دمشق حدث عنه الإمام أحمد وإسحاق وابن المديني وخلق، وأخرج له أصحاب الكتب الستة.
وذكره الإمام أحمد بن حنبل فقال: ثبت حافظ، كان يحفظ حديثه كله مات فجأة بمكة في عشر ذي الحجة سنة ثلاث وتسعين ومائة.2
-الوليد بن مسلم الدمشقي ت 195 هـ.
هو الإمام الحافظ الوليد بن مسلم الدمشقي أبو العباس الأموي مولاهم عالم أهل دمشق، ومحدث ثقة، حدث عنه الإمام أحمد بن حنبل وإسحاق بن راهوية، وابن المديني وخلق، وصنف التصانيف والتواريخ، وعني بهذا الشأن أتم العناية، قال الإمام أحمد: ما رأيت في الشاميين أعقل منه، وأخرج له أصحاب الكتب الستة توفى آخر سنة أربع أو أول سنة خمس وتسعين ومائة3.
-معاذ بن معاذ العنبري ت 196هـ.
هو معاذ بن معاذ بن نصر بن حسان الحافظ العلامة أبو المثنى العنبري التميمي البصري، قاضي البصرة، أخذ عنه العلم الإمام أحمد وإسحاق وبندار وخلق كثير، قال الإمام أحمد: إليه المنتهى في التثبت في البصرة ما رأيت أحداً أعقل منه، توفى في ربيع الآخر سنة ست وتسعين ومائة1.
-عبد الله بن وهب ت 197.
هو عبد الله بن وهب بن مسلم الإمام الحافظ أبو محمد الفهري مولاهم المصري الفقيه، أحد الأئمة الأعلام، جمع بين الفقه والحديث، والعبادة، وكان ثقة حجة حافظاً مجتهداً لا يقلد أحداً، وكان الإمام مالك يكتب إليه: إلى عبد الله مفتي أهل مصر، ولم يفعل هذا مع غيره، توفى في شعبان سنة سبع وتسعين ومائة2.
-الإمام الشافعي3.
يرجع الفضل في تعريف الإمام إسحاق بالإمام الشافعي إلى الإمام أحمد الذي قال له: تعالَ حتى أريك رجلاً لم تر عيناك مثله، فأراه الإمام
الشافعي، وقد أعجب الإمام إسحاق بالإمام الشافعي وناظره، وقال: الشافعي إمام، ما أحد تكلم بالرأي- وذكر الثوري والأوزاعي ومالكاً وأبا حنيفة- إلا أن الشافعي أكثر اتباعاً، وأقل خطأ منهم1.
وبعد وفاته انكب على كتبه دراسة، يستوعبها، ويستوحيها وذكر البيهقي: أن الإمام إسحاق تزوج بمرو بامرأة كان عند زوجها كتب الشافعي فتوفي، ولم يتزوج بها إلا من أجل كتب الشافعي، وقال القهستاني: دخلت يوماً على إسحاق فأذن لي، وليس عنده أحد، فوجدت كتب الشافعي حواليه، فقلت: {معاذ الله أن نأخذ إلا من وجدنا متاعنا عنده}2 فقال لي: والله ما كنت أعلم أن "محمد بن إدريس" في هذا المحل الذي هو محله، ولو علمت لم أفارقه3.
- يحيى بن يحيى النيسابوري 142-226.
هو الإمام الحافظ شيخ خراسان، أبو زكريا بن يحيى بن بكير بن عبد الرحمن التميمي الحنظلي، النيسابوري، كان من سادة أهل زمانه علماً وديناً، ونسكاً وإتقاناً.
قال الإمام إسحاق: ما رأيت مثل يحيى بن يحيى ولا أظنه رأى مثل نفسه، وقال أيضاً: مات يحيى يوم مات وهو إمام لأهل الدنيا، وظهر له نيف وعشرون ألف حديث، وقد توثقت علاقة الإمام إسحاق ببني طاهر، وصار أثيراً عندهم بسبب الرسالة التي كتبها له شيخه يحيى وسلمها للأمير عبد الله بن طاهر1.
كما أخذ الإمام إسحاق العلم عن وكيع بن الجراح الرؤاسي المتوفى سنة 197 وسفيان بن عيينة الهلالي الإمام المعروف ت 198 ويزيد بن هارون الواسطي ت 206، وعبد الرزاق بن همام بن نافع الصنعاني، فقيه اليمن ت 211هـ وأبي عاصم النبيل شيخ أئمة الحفاظ في عصره ت 212، والفضل بن دكين ت 219، وعفان بن مسلم الصفار البصري محدث بغداد 220 هـ2.
وقد تقدمت تراجمهم ضمن شيوخ الإمام أحمد رحمه الله.
بعض تلاميذه
- الإمام البخاري ت 256.
تتلمذ على شيخه وأستاذه إسحاق بن راهوية في الفقه والحديث وبمشورته قوي عزمه على جمع الحديث الصحيح، فصنف الجامع الصحيح، قال أبو عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري: كنا عند إسحاق بن راهوية فقال: لو جمعتم كتاباً مختصراً لصحيح سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال: فوقع ذلك في قلبي، فأخذت في جمع الجامع الصحيح.1
- الإمام مسلم 204-261.
أخذا العلم من شيخه الإمام البخاري، وشيخ شيخه الإمام إسحاق بن راهوية وتقدمت ترجمته.
- أحمد بن سيار المروزي ت 268
هو أحمد بن سيار بن أيوب، أبو الحسن الفقيه، ثقة حافظ، أخذ العلم من الإمام إسحاق بن راهوية، وعفان وطبقتهما، وكان يشبه في عصره بابن المبارك علماً وزهداً، وهو أحد من أدخل فقه الإمام الشافعي على خراسان، وكان صاحب وجه في مذهب الإمام الشافعي1.
- داود الظاهري ت 270.
هو داود بن علي بن خلف الحافظ الفقيه المجتهد أبو سليمان الأصبهاني البغدادي، فقيه أهل الظاهر، أخذ العلم عن إسحاق بن راهوية وأبي ثور، وذكر الذهبي أن داود الظاهري ارتحل إلى إسحاق وسمع منه المسند والتفسير2.
وكان داود أكثر الناس تعصباً للإمام الشافعي وصنف في فضائله والثناء عليه كتابين، وكان صاحب مذهب مستقل، وتبعه جمع كثير يعرفون بالظاهرية، وكان ولده محمد بن علي على مذهبه، وانتهت إليه رئاسة العلم ببغداد، فصنف التصانيف، وكان بصيراً بالحديث صحيحه وسقيمة، إماماً ورعاً ناسكاً زاهداً، توفى ببغداد سنة سبعين ومائتين3.
- الترمذي 209-279.
هو محمد بن عيسى بن سورة بن الضحاك السلمي، صاحب الجامع والعلل، الحافظ العلامة، طاف البلاد، وسمع خلقاً كثيراً من الخراسانيين والعراقيين. قال أبو سعيد الإدريسي: كان أحد الأئمة الذين يقتدى بهم في علم الحديث وكان يضرب به المثل في الحفظ، وقال الحاكم: سمعت عمر بن علك يقول مات البخاري فلم يخلف بخراسان مثل أبي عيسى في العلم، والحفظ والورع والزهد، بكى حتى عمي، وبقي ضريراً سنين، توفي في الثالث عشر من رجب سنة تسع وسبعين ومائتين بترمذ.1
عثمان الدارمي ت 280 هـ.
هو الحافظ الإمام الحجة أبو سعيد عثمان بن خالد السجستاني، محدث هراة، وتلك البلاد، أخذ العلم عن ابن المديني، ويحيى، وأحمد وإسحاق وأكثر الترحال، وله تصانيف في الرد على الجهمية، وهو الذي قام على ابن كرام، وطرده من هراة فيما قيل. توفي في ذي الحجة سنة ثمانين ومائتين2.
-عبدوس النيسابوري ت282
الحافظ الكبير أبو محمد عبد الله بن مالك النيسابوري، نزيل سمرقند أخذ العلم من يحيى بن يحيى، وقتيبة، وابن راهوية.
توفي بسمرقند سنة اثنتين وثمانين ومائتين.3
- محمد السندي ت286
هو محمد بن محمد بن رجاء بن السندي الحافظ الإمام الكبير أبو بكر الإسفرائيني، مصنف الصحيح، ومخرجه على كتاب مسلم، سمع إسحاق بن راهوية، وأحمد بن حنبل، وعلي بن المديني، وأكثر الترحال.
قال الحاكم: كان ديناً ثبتاً مقدماً في عصره. توفي سنة ست وثمانين ومائتين، وكان من أبناء الثمانين.1
- محمد بن راهوية
هو محمد بن الإمام إسحاق بن إبراهيم بن مخلد بن إبراهيم أبو الحسين المروزي المعروف بابن راهويه، ولد بمرو، ونشأ بنيسابور، سمع أباه، ومحمد بن رافع القشيري، ومحمد بن يحيى الذهلي، والإمام أحمد، وعلي بن المديني، وحدث ببغداد، فروى عنه أهلها، كان عالماً بالفقه جميل الطريقة مستقيم الحديث، قال محمد بن إسحاق: دخلت على أبي عبد الله فقال: أنت ابن أبي يعقوب؟ قلت: بلى، قال: أما أنك لو لزمته كان أكثر لفائدتك، فإنك لم تر مثله، استشهد على يد القرامطة حين كان في طريقه للحج سنة أربع وتسعين ومائتين 2.
- ابن نصر المروزي 202-294هـ
هو محمد بن نصر الإمام شيخ الإسلام، أبو عبد الله المروزي الفقيه ولد سنة اثنتين ومائتين، وكان من أعلم الناس باختلاف الصحابة ومن بعدهم في الأحكام، قال الحاكم: إمام أهل الحديث في عصره بلا مدافعة، قال ابن حزم: أعلم الناس من كان أجمعهم للسنن، وأضبطهم لها، وأذكرهم لمعانيها، وأدراهم بصحتها، وبما أجمع عليه الناس مما اختلفوا فيه، إلى أن قال: وما نعلم هذه الصفة بعد الصحابة أتم منها في محمد بن نصر، فلو قال قائل: ليس لرسول الله صلى الله عليه وسلم حديث، ولا للصحابة سنة، إلا وهو عند محمد بن نصر، لما بعد عن الصدق، وقد أخذ العلم من الإمام إسحاق رحمه الله1.
- النسائي 215-303
هو أبو عبد الرحمن أحمد بن شعيب بن علي بن سنان بن بحر بن دينار الخراساني النسائي القاضي الإمام الحافظ، أحد الأئمة المبرزين والحفاظ المتقنين، والأعلام المشهورين، طاف البلاد وسمع من خلائق.
قال الحاكم: كان النسائي أفقه مشايخ مصر في عصره وأعرفهم بالصحيح. وقال الذهبي: هو أحفظ من مسلم بن الحجاج، توفى سنة ثلاث وثلاثمائة1.
- أبو العباس السراج ت313
هو أبو العباس محمد بن إسحاق بن إبراهيم بن مهران الثقفي مولاهم النيسابوري، أخذ العلم من الإمام إسحاق، وحدث عنه الشيخان وأبو حاتم، وورد بغداد مراراً، وحدث بها شيئاً يسيراً، وأقام بها دهراً طويلاً، ثم رجع إلى نيسابور، واستقر بها إلى حين وفاته سنة ثلاث عشرة وثلاثمائة2.
مبلغ علمه وقوة حفظه
رزق الله سبحانه وتعالى الإمام إسحاق رحمه الله ذاكرة قوية نادرة المثال، فكان آية في سرعة الفهم، وشدة الحفظ، وهداه إلى سلوك الطريق الصحيح، واستعمال هذه الذاكرة في حفظ حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم والتفقه في دينه القويم والذب عنه.
فكان من قوة حفظه لا يأخذ بيده كتاباً، قال أحد تلاميذه: ما رأيت بيد إسحاق كتاباً قط، وما كان يحدث إلا حفظاً1.
وقال الخفاف: أملا علينا إسحاق بن راهويه أحد عشر ألف حديث من حفظه، ثم قرأها علينا، فما زاد حرفاً، ولا نقص حرفاً2، قال أبو زرعة: ما رُئي أحفظ من إسحاق.
قال أبو حاتم: العجب من إتقانه، وسلامته من الغلط مع ما رزق من حفظ3.
وقال عبد الله بن طاهر لإسحاق بن راهويه: قيل لي: إنك تحفظ مائة ألف حديث؟ قال مائة ألف حديث ما أدري ما هو، لكني ما سمعت شيئاً قط إلا حفظته، ولا حفظت شيئاً قط فنسيته1.
وقال محمد بن يحيى بن خالد: سمعت إسحاق بن إبراهيم الحنظلي يقول: أعرف مكان مائة ألف حديث كأني أنظر إليها: وأحفظ سبعين ألف حديث عن ظهر قلبي، وأحفظ أربعة آلاف حديث مزورة، فقيل له ما معنى حفظ المزورة؟ قال: إذا مر بي منها حديث في الأحاديث الصحيحة فليّته منها فليا2.
هذا: ومن المشهور أن الإمام إسحاق كان قد أملا مسنده في الحديث على طلابه عن ظهر قلب، كما أملا التفسير عن ظهر قلبه.
قال أبو حاتم: وهذا أعجب، فإن ضبط الأحاديث المسندة أسهل وأهون من ضبط أسانيد التفسير، وألفاظها3.
ومن نوادر حفظه وشدة ذكائه أن الإمام إسحاق ضمه مجلس به كثير من العلماء والأدباء، والمحدثين عند أمير خراسان، ومعهم إبراهيم بن أبي صالح، فسأل الأمير إسحاق في مسألة فقال إسحاق: السنة فيها كذا وكذا، وكذلك يقول من سلك طريق السنة، وأما أبو حنيفة، وأصحابه فإنهم قالوا بخلاف هذا، فقال إبراهيم: لم يقل أبو حنيفة بخلاف هذا، فقال إسحاق: حفظته من كتاب جده وأنا وهو في كتاب واحد، فقال إبراهيم: أصلحك الله، كذب إسحاق على جدي، فقال إسحاق: ليبعث الأمير إلى جزء كذا وكذا من جامعه، فأتي بالكتاب، فجعل الأمير يقلب الكتاب، فقال إسحاق: عد من الكتاب إحدى عشرة ورقة، ثم عد تسعة أسطر، ففعل فإذا المسألة على ما قال إسحاق، فقال الأمير عبد الله بن طاهر: قد تحفظ المسائل ولكني أعجب لحفظك هذه المشاهدة. فقال إسحاق: ليوم مثل هذا، لكي يخزي الله على يدي عدواً مثله1.
وتعددت جوانب ثقافته فشملت التفسير الذي برع فيه وأملاه على تلاميذه من حفظه وثوقاً بنعمة الله عليه، وشكراً له، ونال أعلى لقب في الحديث، فلقب بأمير المؤمنين، وهذه المنزلة قل أن يصل إليها أحد المحدثين، والذين نالوا هذا اللقب قلة: أمثال البخاري، وشيخه إسحاق.
وقد لقبه بهذا اللقب قرينه، وأدرى الناس بمخبره الإمام أحمد بن حنبل، ويحيى بن معين.2
وقال الحافظ بن حجر عنه بأنه أمير المؤمنين في الحديث، والفقه3
ومسنده خير شاهد على بروزه في الحديث، وتفوقه على أصحابه في عصره في مجالات شتى حتى سلموا له بذلك، واعترفوا بفضله وعلمه، ونهلوا منه، فقام بنشر السنة في خراسان وحارب الجهمية، وأهل البدع، وكان له مقامات محمودة عند السلطان يظفره الله تعالى فيها بأعدائه، ويخزيهم على يديه1.
فقام تجاه المجتمع خير قيام.
فقه الإمام إسحاق
كان الإمام إسحاق كنزاً من كنوز العلم في خراسان1، برع في علوم الشريعة، ومما برع فيه علم الفقه، وبلغ مبلغاً تسامى به على كثير من المتقدمين، فقد قال أحمد بن سعيد الرباطي: والله لو كان الثوري، وابن عيينة، والحمادان في الحياة لاحتاجوا إليه -أي إلى الإمام إسحاق- في أشياء كثيرة2.
واهتم ببدء دراسته بالفقه، ودرس فقه الرأي، ولا أدل على ذلك من مناظرته مع إبراهيم بن أبي صالح بمجلس الأمير ابن طاهر وظهوره عليه، وتعيينه الكتاب، والصفحة، والسطر من كتاب من كتب أهل الرأي حتى بهر من شدة حفظه لهذه الكتب الأمير عبد الله بن طاهر، وذكر أنه درس هذه المجاميع في الكتاتيب.
كما ناظر الإمام الشافعي الفقيه المشهور، فقال الشافعي: أنت الذي يزعم أهل خراسان أنك فقيههم؟ قال إسحاق: هكذا يزعمون.3 وانتهت إليه زعامة الفقه، والفتوى في خراسان.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية:
وكان أبو زرعة، وأبو حاتم، وابن قتيبه، وغيرهم من أئمة السلف والسنه. والحديث يتفقهون على مذهب أحمد، وإسحاق، ويقدمون قولهما على أقوال غيرهما.1
وأئمة الحديث كالبخاري ومسلم، والترمذي، والنسائي وغيرهم هم أيضاً من اتباعهما، وممن يؤخذ العلم والفقه عنهما وداود من أصحاب إسحاق.
وقال في موضع آخر: والشافعي وأحمد بن حنبل وإسحاق وأبو عبيد وأبو ثور ومحمد بن نصر المروزي، وداود بن علي، هؤلاء كلهم فقهاء الحديث رضي الله عنهم.2
وذكره الشيرازي ضمن فقهاء خراسان فقال: ومنهم أبو يعقوب إسحاق بن إبراهيم بن مخلد الحنظلي المروزي المعروف بابن راهويه جمع بين الحديث والفقه والورع.3
وقال المقدسي: وأما أهل الحديث فحنبلية والراهويه، والأوزاعية
وقد شهد له كثير من علماء عصره، ومن بعدهم برسوخه في علم الفقه والفتوى مع بقية العلوم.
فقال علي بن حجر المتوفى عام244هـ:
لم يخلف إسحاق يوم فارق مثله بخراسان علماً وفقهاً.1
وقال أبو زرعة: ما أعرف في أصحابنا أسود الرأس أفقه من أحمد ابن حنبل فقيل له: فإسحاق؟ قال: حسبك بأبي يعقوب فقيهاً.2
وقال الإمام ابن خزيمة: والله لو كان إسحاق في التابعين لأقروا له بحفظه، وعلمه، وفقهه.3
وقال محمد بن عبد الوهاب الفراء: رحم الله إسحاق، ما كان أفقهه وأعلمه. وقال الحاكم: إسحاق بن راهويه إمام في عصره في الحفظ، والفتوى.4
وقال ابن حبان: كان إسحاق من سادات زمانه فقهاً، وعلماً وحفظاً ونظراً.5
وقال الخطيب البغدادي: كان أحد أئمة المسلمين، وعلماً من أعلام الدين، اجتمع له الحديث والفقه، والحفظ، والصدق، والورع، والزهد1.
وكذلك قال المزي، والسبكي.2
وقال الحافظ الذهبي: قد كان مع حفظه إماماً في التفسير، رأساً في الفقه، من أئمة الاجتهاد.3
وقال أيضاً: كان إسحاق من كبار أئمة الاجتهاد، ومن أعلام الحفاظ4.
استطاع الإمام إسحاق -رحمه الله- بتوفيق الله له، وبجده، ثم باجتهاده ومثابرته في طلب العلم أن يكون لنفسه رصيداً هائلاً من العلوم هيأته أن يكون إماماً مجتهداً له مذهب مستقبل يعرف بالراهوية، انتشر في خراسان وصار له اتباع، قال السمعاني: كان إماماً مذكوراً مشهوراً من أهل مرو سكن نيسابور، وكان متبوعاً له أقوال واختيارات وهو من أقران الإمام أحمد.5
والمنذرية.1
وقد اندثر مذهبه مع كثير من المذاهب التي كانت حَيَّةً لمدة من الزمان بسبب عوادي الدهر، وتضييع التلاميذ والمتبعين له، واندثار الكتب المؤلفة فيه وضياعها، ولعدم تبني السلطان مذهبه، والاعتماد عليه في نظام الحكم.
وقد كان الإمام إسحاق رحمه الله من الفقهاء الذين يعتمدون على الكتاب والسنة، والآثار عن الصحابة، والتابعين، ولا يلجؤون إلى القياس إلا عند الضرورة القصوى، وكانت أصول الإمام أحمد وإسحاق والشافعي شبيهة بعضها ببعض.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: إن موافقة الإمام أحمد للإمام الشافعي وإسحاق أكثر من موافقته لغيرهما، وأن أصوله بأصولهما أشبه منهما بأصول غيرهما، وكان يثني عليهما، ويعظمهما، ويرجح أصول مذهبهما على من ليست أصول مذهبه كأصول مذهبهما.2
ويلاحظ المتتبع لأقوال الإمام إسحاق في مسائله برواية الكوسج:
1- غزارة معلوماته في الفقه، ودقته في الإجابة على السؤال، فقد
سئل في القسم الذي قمت بتحقيقه على ست وخمسمائة مسألة لم يتوقف عن الإجابة إلا عن مسألة واحدة، وهي مسألة تعليق العتق بالملك، على أنه حاول الإجابة عليه حين كرر له المسألة1.
2- معرفته التامة بما ورد في المسألة من أدلة من كتاب، أو سنة، أو قول صحابي أو تابعي2.
3- قوة حجته واستدلاله.
4- إحاطته بآراء الصحابة، والتابعين، ومن بعدهم، ونسبة القول إلى قائله بأوجز عبارة، كالإشارة إلى راوي الحديث، أو إلى رجل من رجال الإسناد، أو بعبارة مشهورة لدى المحدثين في الحديث3.
5- وثوقه من قوله، وعدم تردده، فلذا قل أن يوجد له روايتان في مسألة واحدة.
6- تمكنه من المذهب الحنفي، وحفظه لأقوالهم، وآرائهم، وأدلتهم.
7- حدته أحياناً على بعض مخالفيه، فقد رد على القائلين إنه يسهم لكل فرس دخل أرض العدو وقاتل عليه أم لم يقاتل، فقال: أخطأ هؤلاء فقالوا إذا جاوز الدروب فباع فرسه فإن سهم الفرس له، وهو جهل بيّن1.
وقد خطأ الإمام أحمد في مسألة واحدة2.
8- عدم التصريح بمن يخالفهم والاكتفاء بالإشارة إليهم بهؤلاء، ولدى تتبعي ومراجعتي الأقوال المشار إليها وجدتها أقوالاً للأحناف.
9- مناقشته لأدلة الخصم، ودحض حجته، واحدة تلو الأخرى3.
آثار الإمام إسحاق بن راهويه العلمية
الإمام إسحاق بن راهويه نبغ في علوم كثيرة، وترك ثروة هائلة من الآثار في فنون شتى، وقد نوه المؤرخون والمترجمون بمحصوله العلمي وعدوه من أصحاب التصانيف.1
ولكن المؤسف أن هذه الثروة العلمية العظيمة قد عدت عليها عاديات الزمان، وطوتها، فلم تصل إلينا منها إلا النزر اليسير، ونقلت الكتب المعنية بمؤلفات العلماء بعض أسماء كتبه، منها:
- تفسيره المشهور:
فقد ذكرت مصادر ترجمته أنه ألف كتاباً في التفسير نال إعجاب العلماء، وقد أملاه على تلاميذه عن ظهر قلبه، وقد ذكر ابن النديم أن له كتاب التفسير، وكذا الداودي، فقال: إن من جملة تآليفه تفسيره المشهور الذي رواه عنه بعض تلاميذه.2
وهذا التفسير من الكنوز المدفونة حتى الآن، ويحتاج إلى مزيد من
البحث والتنقيب في فهارس مكتبات العالم، من أشخاص لهم دراية في هذا الشأن.
- في الحديث والفقه:
أجمعت مصادر ترجمته أنه ألف كتاباً في الحديث باسم "المسند" وهو على غرار مسند الإمام أحمد، ويقع في ست مجلدات، ويوجد الجزء الرابع منه في دار الكتب المصرية، قسم فهارس الحديث1/146، وفي الظاهرية بدمشق في فهارس الحديث برقم9401، ويقع في ستة وثلاثمائة ورقة، كتبت سنة ثلاثين وستمائة، وقد حقق الدكتور عبد الغفور بن عبد الحق البلوشي جزءاً منه "مسند عائشة رضي الله عنها" نال به درجة الدكتوراه من الجامعة الإسلامية عام 1404-1405هـ.
ويوجد هذا المسند كاملاً في ألمانيا الشرقية، فقد وجدت لدى الشيخ حماد الأنصاري فهرساً ذكر من ضمن ما ضمنته المكتبة كتاب المسند لابن راهوية، وأنها بخط السيوطي، وعلق عليها الذهبي، وحقق رجاله، ونقل السيوطي هذا التعليق على هامشه.1
- كتاب المصنف:
أشار إليه ابن حجر في فتح الباري فقال: وقد أخرج إسحاق بن
راهوية في مصنفه، عن عبد الرحمن بن أبي بكر قال: كانت يمين عثمان بن أبي العاص لعمري.1
-كتاب العلم:
ذكره ابن حجر ضمن مسموعاته وساق إسناده إلى المؤلف.2
-كتاب الجامع:
قد ذكر ابن حجر في تهذيب التهذيب ما نصه:
قال ابن عدي: بلغني أن أحمد نظر في جامع إسحاق فإذا أول حديث فيه حديث حادثة في استفتاح الصلاة، فقال: منكر جداً3.
كتاب المسائل للإمام أحمد وإسحاق بن راهوية برواية تلميذه النجيب إسحاق بن منصور بن بهرام المروزي، والتي هذه الرسالة جزء منها.
-كتاب الجامع الكبير:
الذي وضعه على غرار كتب الإمام الشافعي، انتسخ كتبه، وجمع مصنفاته، وبنى عليها الجامع الكبير لنفسه1.
وذكر السخاوي: أن محمد بن إسماعيل بن يوسف السلمي الترمذي هو الذي حمل كتب الشافعي من مصر، فانتسخها إسحاق بن راهوية، وصنف عليها الجامع الكبير لنفسه2.
وفي رواية أخرى أنه تزوج بمرو بامرأة رجل كان عنده كتب الشافعي وتوفي، ولم يتزوج بها إلا لحال كتب الشافعي، فوضع جامعه الكبير على كتاب الشافعي، ووضع جامعه الصغير على جامع الثوري الصغير3 (كتاب الجامع الصغير).
-كتاب السنن:
ذكره ابن النديم، والداودي في طبقات المفسرين والبغدادي في هدية العارفين4.
هذا ولم يعثر على كتبه الفقهية سوى المسائل برواية إسحاق بن منصور المروزي، أما بقية كتبه الفقهية التي ذكرتها مصادر ترجمته فلم تنقل فهارس المكتبات منها شيئاً.
ولعل سبب اندثار هذه الكتب الفقهية هو الإمام إسحاق نفسه، فقد قال الحاكم أبو عبد الله: إسحاق بن راهويه وابن المبارك ومحمد بن يحيى هؤلاء دفنوا كتبهم1.
وفاته
أكمل الإمام إسحاق رسالته في الحياة فنشر السنة في بلاد خراسان، وحارب أهل البدع والضلال، وفي ليلة باردة من ليالي نصف شعبان، سنة ثمان وثلاثين ومائتين1، استجاب الإمام إسحاق نداء ربه، وصعدت روحه إلى بارئها، عن عمر ناهز السبع والسبعين، وصلى عليه تلميذه الوفي إسحاق بن منصور الكوسج، وحزن لفراقه كثير من الناس، وأكثر الشعراء من رثائه فقال أحدهم:
يا هدة ما هددتنا ليلة الأحد في نصف شعبان لا تنسى مدى الأبد2
وأنشد آخر على قبره:
وكيف احتمالي للسحاب صنيعه بإسقائه قبراً وفي لحده بحر3
وقال السبكي: أخبرني علي بن سلمة الكرابيسي -وهو من الصالحين- قال: رأيت ليلة مات إسحاق الحنظلي كأن قمراً ارتفع من الأرض إلى السماء من سكة إسحاق ثم نزل فسقط في الموضع الذي دفن فيه إسحاق، قال: ولم أشعر بموته، فلما غدوت إذا بحفار يحفر قبر إسحاق في الموضع الذي رأيت القمر وقع فيه.1
رحم الله الإمام إسحاق وجزاه خير ما يجزي به عباده الصالحين إنه على كل شيء قدير.
الهوامش---
1 تذكرة الحفاظ 2/433-434.
2 سير أعلام النبلاء 11/358، وتاريخ بغداد 6/347، وتهذيب الكمال 2/373، وطبقات الحنابلة 1/269، وجمهرة أنساب العرب223.
3 هو أمير المشرق أبو العباس عبد الله بن طاهر بن الحسين الخزاعي كان المأمون ولاه الشام حرباً وخراجاً، فخرج من بغداد إليها واحتوى عليها وبلغ مصر ثم عاد فولاه إمارة خراسان، وأقام بها حتى مات سنة ثلاثين ومائتين، وكان شجاعاً مهيباً عاقلاً جواداً كريماً.
انظر: تاريخ بغداد 9/483، وشذرات الذهب 2/68.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 سير أعلام النبلاء 11/296.
2 أحمد بن حفص السعدي من تلاميذ الإمام أحمد وحدث عنه بأشياء طبقات الحنابلة 1/41.
3 تاريخ بغداد 6/348.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 تاريخ بغداد 6/347، 355، وتهذيب الكمال للمزي 2/378.
2 إعجام الأعلام ص 236، وآثار البلاد وأخبار العباد للقزويني ص456-457.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 هو أحمد بن سعيد بن إبراهيم الرباطي المرزوي أبو عبد الله الأشقر ثقة حافظ مات سنة ست وأربعين ومائتين.
تقريب التهذيب ص12، وتاريخ بغداد 4/165.
2 حلية الأولياء 9/234، وطبقات الشافعية للسبكي 1/235.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 تاريخ بغداد 6/353.
2 تهذيب الكمال 2/378.
3 هو عمر بن هارون بن يزيد الثقفي مولاهم البلخي كان حافظاً توفى سنة أربع وتسعين ومائة. تقريب التهذيب ص257، وتاريخ بغداد 11/187.
4 هو يحيى بن واضح الأنصاري مولاهم أبو تميلة - بمثناة مصغر - المرزوي مشهور بكنيته ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
انظر: تقريب التهذيب ص380، والجرح والتعديل 9/194.
5 طبقات الشافعية 1/233.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 وسير أعلام النبلاء 11/369-370.
2 تاريخ بغداد 6/345-346.
3 سير أعلام النبلاء 11/193.
4 المرجع السابق 11/188.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 هو محمد بن يحيى بن عبد الله بن خالد بن فارس بن ذويب الذهلي النيسابوري ثقة حافظ جليل مات سنة ثمان وخمسين ومائتين.
انظر: تقريب التهذيب 323، وشذرات الذهب 2/138.
2 تاريخ بغداد 6/352.
3 المنهج الأحمد 1/121، وطبقات الشافعية الكبرى 1/236.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 تاريخ بغداد 6/351.
2 طبقات الشافعية 1/327.
سيأتي إن شاء الله تخريج الأحاديث وتوثيق قول الإمام أحمد وإسحاق في قسم التحقيق.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 سير أعلام النبلاء 11/193.
2 تاريخ بغداد 6/348.
3 تاريخ بغداد 6/346، تهذيب التهذيب 1/216.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 تقريب التهذيب ص187، تاريخ بغداد 10/152.
وتذكرة الحفاظ 1/174، وطبقات الحفاظ 123.
وحلية الأولياء 8/162، والأعلام 4/115.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 تهذيب التهذيب 7/480 وما بعده، وتقريب التهذيب 255.
2 تذكرة الحفاظ 1/270، وتقريب التهذيب ص55، 214، وطبقات الحفاظ 121.
3 تقريب التهذيب ص216، وتذكرة الحفاظ 1/269، وطبقات الحفاظ 121، والأعلام 4/25.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 تذكرة الحفاظ 1/245، وتقريب التهذيب 277، وحلية الأولياء 8/84، والأعلام 5/153.
2 تقريب التهذيب 276، وتذكرة الحفاظ 1/296، وطبقات الحفاظ 130.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 تاريخ بغداد 6/347.
2 تذكرة الحفاظ 1/295، وتقريب التهذيب 332.
3 تذكرة الحفاظ 1/302، وتقريب التهذيب ص371، وتهذيب التهذيب 11/151، وطبقات الحفاظ 132، وشذرات الذهب 1/344.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 تذكرة الحفاظ 1/324، وتقريب التهذيب ص 240.
2 تذكرة الحفا1/304، وتهذيب التهذيب 6/71، وتقريب التهذيب 193.
3 سبقت الترجمة له ضمن شيوخ الإمام أحمد.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 حلية الأولياء 9/103، آداب الشافعي ومناقبه لابن أبي حاتم الرازي ص43.
2 جزء من آية (79) سورة يوسف.
3 مناقب الإمام الشافعي 1/265-266، وتوالي التأسيس 76.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 تذكرة الحفاظ 2/415، وتقريب التهذيب 380، وشذرات الذهب 2/59، وتهذيب التهذيب 11/296،و الديباج المذهب 350.
2 تهذيب الكمال 2/373 وما بعدها.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 هدي الساري مقدمة فتح الباري ص6، وتقدمت ترجمة الإمام البخاري ضمن تلاميذ الإمام أحمد.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 شذرات الذهب 2/154، وتهذيب التهذيب 1/35، وتقريب التهذيب ص13.
2 سير أعلام النبلاء 13/98.
3 شذرات الذهب 2/158، وطبقات الحفاظ 257، وتاريخ بغداد 8/369.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 تذكرة الحفاظ 2/633، طبقات الحفاظ 282، وتهذيب التهذيب 9/378، وشذرات الذهب 2/174.
2 تذكرة الحفاظ 2/621، وشذرات الذهب 2/167، وطبقات الحنابلة 1/221.
3 تذكرة الحفاظ 2/675، طبقات الحفاظ 298.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 تذكرة الحفاظ 2/686، طبقات الحفاظ 301
2 طبقات الحنابلة1/269، والشذرات2/216، وتاريخ بغداد 2/244، والجرح والتعديل7/196.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 طبقات الحفاظ289، وتذكرة الحفاظ2/650، وشذرات الذهب2/216، وتاريخ بغداد2/216، وطبقات الشافعية للسبكي1/235.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 تذكرة الحفاظ2/698، وتهذيب التهذيب1/36، وتقريب التهذيب ص13، وشذرات الذهب2/239، وطبقات الحفاظ 306.
2 تاريخ بغداد1/248، والجرح والتعديل7/196.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 تاريخ بغداد6/354، وسير أعلام النبلاء11/375.
2 تهذيب الكمال2/384.
3 تذكرة الحفاظ2/434-435.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 تهذيب الكمال2/385.
2 تاريخ بغداد6/352.
3 تاريخ بغداد6/353، وسير أعلام النبلاء 11/373.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 تاريخ بغداد6/353-354.
2 تهذيب الكمال 2/383، سير أعلام النبلاء 11/366-367، 382، وتاريخ بغداد6/351، وتحفة المودود 127.
3 هدي الساري ص6.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 تحفة المودود بأحكام المولود لابن القيم127، وسير أعلام النبلاء11/364.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 تاريخ بغداد 6/349، وتهذيب الكمال2/381، وسير أعلام النبلاء10/628.
2 تاريخ بغداد6/353، وشذرات الذهب2/89، وسير أعلام النبلاء10/371.
3 طبقات الشافعية1/236.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 سير أعلام النبلاء10/372.
2 تاريخ دمشق 7/253.
3 تاريخ بغداد 6/305، وسير أعلام النبلاء 11/372.
4 سير أعلام النبلاء 11/368، 369، وطبقات الشافعية 1/235.
5 الثقات لابن حبان 8/116.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 تاريخ بغداد6/345، وتهذيب ابن عساكر2/417.
2 تهذيب الكمال2/373، وطبقات الشافعية10/232.
3 سير أعلام النبلاء11/375.
4 العلو للعلي الغفار للذهبي ص132.
5 الانساب6/56.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 مجموع الفتاوي15/232-233.
2 مجموع الفتاوى 25/233.
3 طبقات الفقهاء للشيرازي ص94.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 أحسن التقاسيم في معرفة الأقاليم ص37 ط ليدن1909.
2 مجموع الفتاوى 34/113.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 انظر المسألة رقم 448.
2 راجع المسألة 32-36.
3 راجع المسائل370-371-372-408.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 راجع المسألة 63-368-377.
2 راجع مسألة رقم 479.
3 انظر المسألة رقم 368.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 شذرات الذهب 2/89.
2 الفهرست لابن النديم 321، طبقات المفسرين للداودي 1/102، كشف الظنون 1/442، معجم المؤلفين لكحالة 2/228.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 انظر مختارات من فهرس الكتب النادرة والموجودة في مكتبة دار العلوم بألمانيا الشرقية ص6.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 فتح الباري 11/547.
2 تجريد أسانيد الكتب المشهورة والأجزاء المنثورة المعروف بمعجم المفهرس ص 36 لوحة رقم18.
3 تهذيب التهذيب 2/166.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 طبقات الفقهاء للعبادي ص38.
2 الإعلان بالتوبيخ للسخاوي ص99، وعلم التاريخ عند المسلمين ص558.
3 آداب الشافعي ومناقبه 64-65، وتوالى التأسيس ص76، وحلية الأولياء 9/102-103، مناقب الشافعي1/266.
4 الفهرست لابن النديم321، وطبقات المفسرين للداودي1/102، وهدية العارفين 1/197.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 طبقات الشافعية1/235، وسير أعلام النبلاء11/377.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 طبقات الشافعية1/235، تهذيب الكمال للمزي2/387، وتاريخ بغداد6/355.
2 طبقات الشافعية1/235، وسير أعلام النبلاء11/377.
3 سير أعلام النبلاء11/322، وحلية الأولياء9/234.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 طبقات الشافعية1/235، وسير أعلام النبلاء11/380.